بالتصريح إن أمره الأمر في تقدير السعادة والشقاء
ثم نظرت في حالي وأحوالي منذ ثلاثين سنة، فقد كان من أدبي أن أفرح علانية بطعام البيت، وكان فرحي فرحاً حقيقياً، لأن الطعام في تلك السنين كان غاية في نضارة المنظر وحلاوة المذاق، بحيث صح عندي أن يد زوجتي هي وحدها اليد الصناع في تأليف الصنوف الطريفة من أطايب الطعام المحبوب
ولكن يوماً صائفاً جاء بما لا أريد، فقدم إلي طعام لا أشتهيه في أيام الصيف، وكانت النتيجة أن أهم بالاعتراض، وعلى من أعترض؟
إن زوجتي تحتمل غضبي، ولا يصعب عليها أن تترضاني، فهل ألومها على الذي اختارت من الطعام في ذلك اليوم الصائف؟
في أقصر من لمح البصر تيقظ قلبي، وأدركت أن الاعتراض على رزق الله بداية الانخذال، وأني لو جحدت الرزق في أي صورة لذهب إلى غير معاد
أقبلت على الطعام كارهاً لأتقي غضب الله وإيذاء زوجتي، فرأيته طعاماً شهياً لم أتذوق مثله من قبل، وكانت العاقبة أن أحمد الله من صميم الوجدان
إن نعم الله تواجهنا من كل جانب، ويكذب من يزعم أن الله يتخلى عمن يتوكلون عليه في النعماء والبأساء
الله لا يتخلى عنا إلا حين ننساه
وهل يتخلى الله عنا حين ننساه؟
إنه يتركنا لما نريد بأنفسنا، فيجب إلى من نعتمد عليهم أن يشغلونا عنه بالجاه والمال، تأديباً للانحراف عن طريق الرشاد؛ والعقاب الصارم هو أن تستغني عن الله وتحتاج إلى الناس
الديدان الجاهلات في أجواف الأحجار والثلوج أصدق إيماناً بالله من أشباه العلماء
والشجرة اليتيمة في البادية القاسية ترى الله بأقوى مما تراه الأشجار المزودة بالأنهار الجارية
وهل حفظ تاريخ الملوك بقدر ما حفظ تاريخ الصوفية؟
إن الفاجرين الذين صدقوا في فجورهم كانت لهم مكانة في التاريخ القديم والحديث، فكيف يضيع من آمنوا بصاحب العزة والجبروت؟