وعندما نقارن بين صحف كهذه كانت تصدر منذ ربع قرن وبين ما كانت تعني به وتنشره، وما ينشر الآن في بعض الصحف لوجدنا تفاوتاً بينا ليس مما يرضى عنه من يرى أن التفكير الأدبي والثقافي يجب أن يساير التقدم العام.
في تاريخنا الأدبي لهذه الفترة - قبل أن تتجه بعض الصحف المصرية هذا الاتجاه الأخير ويشاركها فيه كثير من الكتاب أو ينساقون معا إليه - في تاريخنا الأدبي هذا نجد عشرات الكتب لمؤلفين من الطبقة الأولى جمعت وكانت معيناً للنهضة الأدبية والثقافية في مصر والشرق، وهي في الأصل بحوث نشرت في الصحف وكانت في وقتهاأيضاً من الدوافع المحركة لهذه النهضة. فكم نجد الآن بين ما ينشر في بعض الصحف المصرية مما يمكن أن يجمع في كتاب يقرؤه ويفيد منه مثقف ممتاز الثقافة أو متوسطها. . .؟
ومن الأنصاف أن أذكر بعض الصحف القليلة - كالرسالة والثقافة - بقيت على عهدها لم تنحرف ولم تساير وظلت محافظة على رعاية ما أنشئت له من العناية بالأدب الخالص على طريقتها الخاصة، ومنهجها الذي لم تتحول عنه يوماً.
إني - كما ذكرت - أشعر بالحرج حين أكتب هذا الذي أكتبه، فإني أحترم حق الزمالة، ولكني من ناحية أخرى أريد أن يحترم حق الفكر.
وناحية أخرى من نواحي الحرج أشعر بها فيما أكتب، فإني إذا قلت إن صحيفة واحدة، هي الأهرام، ظلت - وأكاد أقول وحدها - لم تشارك في الاتجاه الذي ذكرناه، وبقيت كما كانت يجد فيها قارئها كثيراً مما يشغل الذهن بالتفكير والعقل بالتأمل والإفادة، ومما يفيد الذوق بالترفيه والإحساس بالتهذيب والبهجة، ولم تنحرف إلى ناحية التسلية و (قتل الوقت) وتملق الغرائز، إذا قلت إن (الأهرام) بقيت هكذا فقد يقال إني أجامل وأمدح، والله ما إلى هذا قصدت، بل قصدت أن أضرب مثلاً.
وماذا يضرني بعد ذلك لو أني مدحت من أعتقد أني أنا صادق في مدحه. . .؟