له الحياة ويجعلون الخيال حقيقة، فيجب إذن أن يزول ما بينه وبينهم من حائط يحجبهم عنه، ذلك الحائط الذي يحول دون رؤية ما يقع في بيوت الناس، والذي نسميه نحن الستار! فإذا ارتفع فقد ظهرت الحياة حقاً وصدقاً! ظهرت مناظر حقيقية وإضاءة حقيقية وموضوع حقيقي أو في حكم الحقيقي، ولغة حقيقية مما تجري بين الناس فعلا في حياتهم العادية المألوفة.
هذا هو المسرح منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم، منذ (هنريك إسن). (برناردشو) ومن جاء بعدهما. فأين (غروب الأندلس) من هذا؟.
لقد صاغها الشاعر عزيز أباظة الشعر الجزل الرصين ولم يكن يستطيع إلا أن يصوغها بالشعر؛ فالشعر فيه أصل وطبيعة غلالة ولكن لمن صاغها بهذا الشعر الجزل الرصين؟ من من المشاهدين يقدر على فهم مثل قول الشاعر عن الإسلام مثلاُ:
تكاد عراء في الجزيرة تنضوي ... وتنقد أشطان له وطنوب!
ومن من المشاهدين يقدر على فهم قول الشاعر في خطاب موسى إلى الملك مثلاً:
إذا ند عنك اليوم بارح كيدهم ... فإنك مغروس غدا فمتبر
وإن مطاياهم لتكرم وسقا ... فإن أبلغتهم جدلوها وعقروا
أو مثل أقواله (ولأنت من قوم إذا انأطر القنا) أو (هل كان إلا صدى ضعف خذئت له) أو (لآثروا الموت قصصاً) أو سوى ذلك وهو كثير وكثير.
ولأول مرة نرى مسرحية تذيل صفحاتها بشرح لمعاني الكلمات الصعبة مما برئت منه حتى مسرحيات شوقي! وإذا كان القراء وهم يقرءون في مهل وأناة، وهم إلى ذلك الصفوة المختارة من المشاهدين، فكيف بالمشاهدين الذين يستمعون الأقوال وهي تمر بهم سريعة خاطفة، ثم هم أخلاط من الناس لا يشترط فيهم إلا أن يدفعوا ثمن تذكرة الدخول؟. . إن للشعر مكانة العالي في الغنائيات والملاحم وما إليها؛ أما المسرح الذي يراد به تصوير الحياة والأحياء، والذي هو مدرسة للناس جميعاً، فليس لمثل هذا الشعر العالي فيه مكان. وإن كان لا بد من الشعر في المسرح - وهو مالا أراه - فليكن شعراً مخففاً ممزوجاً بالماء، شعراً سهلاً ميسوراً يفهمه الناس جميعاً؛ لأن الناس جميعاً يشاهدون المسرح أو يجب أن يشاهدوه، ليكن من بحر (الرجز) دون سواه وهو البحر الذي يقابل تفعيلات