به طبعاً حركة الانقلاب - فقد جعل المسرحية ظلا للحركة الكبرى التي يعيش الناس فيها، أو صدى للصوت القوي الذي يملأ أسماعهم، ومن وجد البحر استقل السواقيا!.
على أن المسرحية لم تخل - على الأقل - من تعديل كبير أصابها بعد حركة الانقلاب أريد به (تمصير) بعض الحوادث، والإشارة إلى ما يزحم قلوب الناس من عواطف؛ فالأستاذ المؤلف مثلاً كان قد ألف مسرحيته (شجرة الدر) عام ١٩٥١م وقال فيها موجهاً الكلام إلى (أقطاي) أمير الجيش بصريح العبارة:
. . . ولكن السياسة مهنة ... إن راضها جيش هوى وتحطما
(أقطاي) دع ما لست تحسنه لمن ... عرك الأمور وساسها فتعلما
فإذا به اليوم في مسرحية (غروب الأندلس) يجعل (أزبك) أمير جيش مصر يقول عنها - فيما سمعناه من الممثلين - بصريح العبارة:
إذا أهل السياسة ظللوها ... فإن الجيش يهديها السبيلا!!
وليته لم يفعل فإن الفن يجب أن يحتضن الحقيقة المبذولة بين أيدي الناس ويسمو بها ويكون أبعد منها شأواً. لا أن تحتضنه الحقيقة بين جناحيها وتجعل منه - كما قلت - ظلا أو صدى لهما.
وأنا أقرر - قبل أن يتشقق الحديث - أن الأستاذ عزيز أباظه شاعر من أكبر شعرائنا، وأن الأمل المرجو منه كبير، ولكنني لا أتحدث عنه شاعراً وإنما أتحدث عنه مؤلفاً مسرحياً، وليس الشعر - كما يعلم القراء - غاية في المسرح وإنما في المسرح وإنما هو وسيلة، والوسيلة التي لا تصل بصاحبها إلى الغاية، أو التي تكون حائلا بينه وبين الوصول إلى هذه الغاية، أو التي تستنفذ كل جهده فينبت عن الوصول إلى الغاية، وسيلة يجب تحطيمها. والمسرح اليوم يقوم - في العالم كله - على نظرية (الحائط الرابع) فما هذه النظرية وما أصلها؟ أصل هذه النظرية افتراض أن المشاهد عند ما ابتاع تذكرة الدخول إلى المسرح أخذ على مؤلف المسرحية عهداً بأن يعرض عليه جوانب من الحياة كما هي لا كما يتخيلها الفنانون!. . . إن الشاهد الحديث رجل فيه فضول كثير، إنه يريد أن يستطلع أحوال الناس وأخبارهم، فهو ينظر إلى خشبة المسرح نظرة إلى غرفة حقيقية في منزل حقيقي بها ناس حقيقيون يناقشون مسائلهم الحقيقية، وليسوا ممثلين مهرة يزيفون