ويتضح مما قيل آنفاً إن الاختلاف الناشئ بين العلماء المسلمين الثابتين على التقوى إنما هو بمثابة مناقشة علمية أكاديمية ناشئة عن النيات الخالصة والتحريات الصادقة ولا يشوبه شيء من الهوى أو رعاية مصالح الناخبين في أي قطر مخصوص ومثل هذا الاختلاف لاشك انه رحمة من حيث انه يؤدي إلى تثبيت الحقائق الإسلامية وسير الأمور حسب مقتضى القانون الإلهي في جميع الأزمنة والعصور. . .
وما عدا القياس والاجتهاد هناك طريقة أخرى للتشريع في الإسلام ألا وهو الإجماع ومبناه أن الإيمان والعمل بالإسلام يخلقان في المسلم ملكة تدفعه إلى الاتجاهات التي تتفق هي والروح الإسلامي وإن لم ينص القرآن والسنة على شيء في صددها
فهذا فيما يتعلق بالأمور الدينية مع فهمنا الدين بأوسع معانيه وأشملها أي النظام الذي يسيطر على جميع الأعمال الفردية والاجتماعية مما لها شأن أدبي وأخلاقي. . .
أما المسائل من قبيل تأبير النخل فلا شأن للإسلام أو أي نظام تشريعي بها لأنها من اختصاص الفنانين ومدارها على التجربة والمشاهدة لا غير. . .
فلم يبق الآن إلا بعض أمور اسميها أموراً إدارية محضة مثل الحرب والسلم والخوف والأمن وهي التي يرجع فيها إلى أولي الأمر وأولوا الأمر يقضون فيها بمشورة الناس.
فلا شك أن الإسلام يقدر رأي الأكثرية حق قدره إذا صادف الحق ووافق المبدأ، ولكن طبيعة النظام الإسلامي تأبى أن تكون للأكثرية أهمية كبرى في التشريع لان مصدر السلطة عند الغربيين هو الجمهور وهذا القول يستلزم ان يكون التشريع دائماً حسب إرادة الناس وهم مختلفون في أهوائهم أما في الإسلام فمصدر السلطة ليس إلا الله والتشريع لا يكون إلا وفقاً لمشيئته والمسلمون كلهم سواء في ابتغاء مرضاته. . . ثم التشريع لا يحتل المكان الأول في النظام السياسي الإسلامي لان الإسلام في نفسه شريعة كاملة أما أمر التفريع والاستنباط بالنظر إلى الأحوال المتجددة فهو موكول إلى نزعته وليس لكل ذي حنجرة أن يصوت في كل ما يعنيه أو ما لا يعنيه وصفوة القول إن الجمهورية في الإسلام ليست كالديمقراطية في الغرب التي مدارها، بعبارة حكيم الشرق الدكتور محمد إقبال رحمه الله على (تعداد الناس لا على وزنهم). . .