والتضامن والتآزر الفعلي بين المسلمين كافة في السلم وفي الحرب من غير فرق وانه لا يعترف بحال من الأحوال بوجود معارضة مستقرة التي هي من أهم مظاهر الديمقراطية البرلمانية
وإنما مرد هذه الميزة إلى للنظام الإسلامي إلى أن الاتفاق على الشريعة التي هي قانون الحياة بأوسع معانيه، سابق على تكون الهيئة الاجتماعية والسياسية بين المسلمين بل هي منشأهما وقوامهما بحيث ينزل المسلمون جميعاً بمنزلة لجنة تنفيذية لا غير، ومن المعروف أن المعارضة لا مكان لها في لجنة تنفيذية قط، أما الحال في الغرب فعلى العكس تماماً لان هناك تكونت الهيئة الاجتماعية أولاً على أساس بعض المصالح المشتركة بطريق الارتقاء غير الشعوري ثم هي أقبلت على التشريع لافتقارها إلى وضع حدود للأعمال الإنسانية التي لم تزل ولا تزال معرضة للإفراط والتفريط ولما لم يكن لها مستند إلى المصدر الأعلى اندفعت بطبيعة الحال إلى التعويل على العقل الذي قلما يتخلص تماماً من أسر الهوى فتعذر عليها (الاتفاق) في التشريع لكون أفرادها كثيري الهوى شتى المسالك نتيجة لعدم ارتباطهم بحدود من الله فإذا فشلت الهيئة الاجتماعية الغربية في تحقيق (الاتفاق)(استكانت) إذ ذاك (إلى الاختلاف) واهتدت إلى إيجاد نظام للتشريع يؤدي إلى حفظ السلام وسير الأعمال غير معرقلة مع عدم اقتناع عدد غير قليل بما ينتج منه وهذا النظام هو النظام الديمقراطي الحديث. . .
ولا يخيل إلى القارئ إن باب التشريع قد اقفل في الشريعة الإسلامية فان الشريعة الإسلامية بصفتها نظاماً دائم النمو والاتساع تتضمن في ذاتها الطرق المسنونة والأساليب الواضحة لكفاءة الأحوال المتجددة والظروف الطارئة على ممر الأيام والعصور ولكن مهمة التشريع عند المسلمين إنما تقتصر على تطبيق المبادئ المنصوصة عليها على الأحوال غير المحسوبة لها. وهذه المهمة لا تتأدى إلا على أيدي العلماء المعروفين بالفقه في الدين والصدق والتقوى في أعمالهم الحائزين على ثقة الناس في أمانتهم فيعتبر الإنسان هذه المهمة من اختصاصهم ولا يسمح بالتدخل فيها لكل من يفوز بكثرة الأصوات سواء وجدت فيه المؤهلات الخاصة والشروط اللازمة أم لا كما هو الحال في النظام الديمقراطي الأوربي. . .