ولكن من السهل على الرجل الحكيم أن يتجنب هذه الآفة فلا يَشتِم ولا يُشتَم، ويظلْ محترماً من الجميع، كأن يكون مِثل مصطفى عبد الرازق بين الدستوريين، ومثل زكي العرابي بين الوفديين، ولهذين الرجلين أمثال في سائر الأحزاب، وإليهم تتجه الأنظار في الظروف التي توجب أن يتقدم لحمل أعباء الحكم رجالٌ ليس في مسلكهم الحزبيّ ما يهيج الخصومة ويثير الخلاف
تلك هي الحال في الحياة السياسية، فكيف تكون الحال في الحياة الأدبية.
الواقع يشهد بأن النجاح في الأدب قام على إسناد من العصبيات الممثَّلة في الأندية والجمعيات، فعندنا في مصر أحزاب أدبية، وإن لم تصطبغ صراحة بالصيغة الحزبية، وبفضل ذلك التحزب المستور لمَعَتْ في عالَم الأدب أسماء كانت أهلاً للخمول لو واجَهت الحياة الأدبية بلا إسناد من الأصدقاء والحُلفاء
أقول هذا وقد فاتني التحزّب في السياسة والأدب، فأنا صديق الجميع، وعدو الجميع، ومن كان كذلك فهو خليق بأن يعيش بلا أنصار ولا أصفياء
سمعت أن في مصر حزباً يسمى حزب المستقلين، وهم الذين قرروا الاجتماع في حديقة الأزبكية ليعلنوا رأيهم في الصورة التي تؤلَّف بها الوزارة الجديدة. ثم سمعت أيضاً أن الوزارة أُلَّفت قيل أن ينفضّ اجتماعهم (المعقود)
وأنا في الأدب من حزب المستقلين، فليس من العجب أن تؤلَّف اللجان وتُعقد المؤتمرات بدون أن أخطر في البال، فتلك مزية الاستقلال!
سأتحزب، سأتحزب، سأتحزب
ولكن كيف؟
سأعقِد محالفة بيني وبين قلمي، وهو أقوى وأنفع من ألوف الأصدقاء
قضيتُ دهري بلا نصير ولا مُعين، وسأظل كذلك طول حياتي، لأقيم الدليل على أن من يستنصِر بالله لا يَخيب ولا يضيع
فإليك يا فاطر الأرض والسموات، وأنت وحدك الوليُّ النصير، أقدم واجب الحد والثناء