للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بل هذا التأثر نتيجة لازمة للعناصر التي تتكون منها نفسية الأديب بحكم الوراثة والتقاليد والذوق والثقافة. وظهور القليل منه في أدب اليوم برهان على أننا نجاري طبيعة التطور بالتدريج.

ونظن أن أستاذنا الكبير أحمد أمين الذي يحدثنا في (ضحى الإسلام) بحديث دونه السحر عن تطور العقلية العربية في مضمار العلم والأدب، لا ينكر أن أثر الأدب الجاهلي قد ضعف في شعر بشار وأبي نواس وأبي العتاهية، وكاد يتلاشى في شعر شوقي وحافظ. وهكذا سوف يسير الأسلوب الأدبي مع الزمن ويستقي من تطوراته عناصر جديدة تحل محل القديمة حتى لا يبقى من القديمة إلا ما يتخذ أمثلة لدراسة تاريخ الأدب.

وبعد فأي بأس في بقاء ذلك الأثر الضعيف من الأدب الجاهلي؟ ألسنا نجد لذة وطرباً ونشوة في هذه الصلة الحلوة بين القديم والحديث؟

ثم أليس من جملة أعمال الأدب أن يحفظ شخصية الأمة بربط حاضرها بماضيها، وتوجيه عواطفها نحو قبلة واحدة تجتمع عندها أحزان تلك الأمة وأفراحها ومفاخرها وتقاليدها وأساطيرها؟

وهل يجوز لنا أن نترك كل ذلك الماضي ونتجرد منه كما نتجرد من الثوب الخلق لنكّون لأنفسنا أدباً جديداً تزعق فيه السيارة بدلاً من حداء الحادي، وتهب فيه نسمات الخرطوم أو مالطة بدلاً من صبا نجد؟

إن هذا سوف يكون مع الزمن كما حصل حتى اليوم؛ وأما التخلي دفعة واحدة عن أذواق وعواطف داخلية كونتها الأجيال فينا فهو عمل يتم بقوة الجيش إذا شاءت الحكومة، ولكنه عندئذ لا يسمى أدباً تخاطب به الأرواح، بل يسمى (أوامر عسكرية) تنفذ بقوة السلاح. . .

وبعد فإنك إذا أردت أن تجد في كلمة الدكتور زكي مبارك شيئاً من الإنصاف فاطلبه في قوله في صدر مقاله الأول:

(إن الأستاذ أحمد أمين من كبار الباحثين في العصر الحديث ولكنه على أدبه وفضله لا يجيد إلا حين يصطحب الروية ويطيل الطواف في الموضوع وذلك سر تفوقه) فهذه كلمة الحق وأما ما تلاها من لواذع فهو ظلم

ونريد أن نرجح أن المقالات التي كتبها الأستاذ أحمد أمين في الثقافة بعنوان (جناية الأدب

<<  <  ج:
ص:  >  >>