والغرب؛ وقد أدرك ذلك السلطان عبد الحميد فاجتهد أن يمكن هذه الخلافة في نفوس المسلمين كافة ليرهب بهم أوربا
وإن يكن المسلمون قصروا في الدفع عن الدولة، وإمدادها بالمال والجند، فماذا عسى أن تستطيع الأمم المغلوبة على أمرها، الذليلة في أسر أعدائها. وقد خاف الأوربيون أثناء الحرب الكبرى أن يلقوا الدولة برعاياهم المسلمين فاحتالوا لذلك حيلاً شتى: كان الفرنسيون يأخذون جنود أفريقيا يوهمونهم أنهم سيدافعون عن الخلافة والإسلام، ولم يستطع الإنكليز، بعد تمرد الرديف المصري وإبائه أن يحارب الترك، أن يرسلوا إلى القتال جندياً من المصريين، فاحتالوا عليهم وأخذوهم عمالاً وراء الجيش. وقد تطوع كثير من المسلمين لنصرة الدولة في الحرب والسياسة، ولو كان أمر المسلمين بأيديهم لكان لهم موقف آخر. وقد سمعنا من كبار الساسة الترك وغيرهم أن إنكلترا أشفقت من أن تقف بجانب اليونان جهرة، وتنصرهم بكل قواها في الحرب الأخيرة، حين ثار المسلمون الهند وطلبوا منها الإبقاء على دولة الخلافة، وأن هؤلاء المسلمين على ضعفهم عاونوا على إنقاذ البقية الباقية من الدولة العثمانية. ولا تنس معاونة أمثال السيد السنوسي وطوافه في الأناضول وكردستان لتأليب الناس وإثارتهم للجهاد. وقد رأيت بعيني صورة الغازي مصطفى كمال باشا في قلعة سنوسية أهداها إليه السيد أحمد فلبسها تبركاً
ثم هذه الخلافة العثمانية على وهنها وغموضها كانت في هذا الزمن العصيب علماً ينظر إليه المسلمون إن لم ينحازوا إليه، وتنضوي إليه آمالهم إن لم تنله أيديهم، وتعتز به نفوسهم وترى في خفقانه ذكرى الماضي العظيم، وتباشير المستقبل العزيز
ولقد كان إلغاء الخلافة في هذه الخطوب المكفهرة كحل رباط حزمة من القصب في ريح عاصف بلغت من المسلمين أسوأ مبلغ، وبلغت أعداءهم أبعد غاية. لا ينكر هذا إلا جاهل بطبائع الأمم أو غبي عن تاريخ المسلمين. وأحسب أن الإنكليز - مثلاً - كان يهون عليهم أن يبذلوا ملايين الجنيهات ليبلغوا الغاية التي بلغهم إياها الكماليون بغير ذل ولا كد
ولا ريب أن الترك حين دفعتهم نشوة الظفر على اليونان إلى إلغاء خلافة الإسلام قد أخروا دولتهم من صف الدول العظيمة إلى صف الدول الصغيرة، فهم اليوم في صف دول البلقان، وإن دول العالم العظيمة كانت تتمنى أن تشتري مكانة الترك بين المسلمين بالجهد