ويعاوده الأمل في أن يلمس غرة من الدهر، فيلتقي بعد طول البين، ويجتمع بعد أليم الفراق
فنلتقي، وعوادي الدهر غافلة ... عما نروم، وعقد البين محلول
والدار آسنة والشمل مجتمع ... والطير صادحة والروض مطلول
ولو أنا ذهبنا في هذا الباب نقتطف قطعاً من زهراته المتناثرة، لاقتضى ذلك منا وقتاً أوسع مما افترضناه لهذا البحث من الإيجاز
وفي الوصف نجتزئ بهذه القطعة:
ورياض تختال منها غصون ... في برود من زهرها وعقود
فكأن الأدواح فيها غوان ... تتبارى زهوا بحسن القدود
وكأن الأطيار فيها قيانٌ ... تتغنى في كل عود بعود!
وكأن الأزهار في حومة الرو ... ض سيوف تُسَلُّ تحت بنود
ويبهره ما يرى في جنة الدنيا (دمشق) ضريبة الأندلس والمغرب في بساتينها، وأنهارها، وجداولها، فتعاوده الذكرى ويقول:
ذكرتني الورقاء أيام أنس ... سالفات فبت أذرى الدموعا
ووصلت السهاد شوقاً لحبي ... وغراماً، وقد هجرت الهجوعا
كيف يخلو قلبي من الذكر يوما ... وعلى حبهم حنيت الضلوعا؟
كلما أولع العذول بعتبي ... في هواهم، يزداد قلبي ولوعا!
ثم يقول في وصفها:
محاسن الشام أجلى ... من أن تحاط بحد
لولا حمى الشرع قلنا ... ولم نقف عند حد:
كأنها معجزات ... مقرونة بالتحدي
ويقول:
قال لي ما تقول في الشام حبر ... كلما لاح بارق الحسن شامه؟
قلت ماذا أقول في وصف قطر ... هو في وجنة المحاسن شامه!
(البقية في العدد القادم)
عبد الهادي الشرابي