البريطانية المستقيل بأن تعريض الحملة الإيطالية للفشل، وتمكن الأحباش من إحراز نصر حاسم على البيض مما يعرض سيادة الدولة الأوربية في أفريقية للخطر، ويصدع من صرح أوربا الاستعماري كله، ويبعث في الشعوب السوداء أو الملونة رغبة الانتقاض والمقاومة، وذلك ليس من مصلحة بريطانيا التي تحكم مئات الملايين من الشعوب الملونة في أفريقية وأسيا
ومما يلاحظ أن هذه النغمة الجنسية تقوى وتشتد في أوربا يوماً عن يوم، وأن الدوائر والصحف الاستعمارية أخذت تضرب عليها بطريقة منظمة، وخصوصاً بعد الانتصارات المتوالية التي أحرزها الأحباش على الإيطاليين في الأسابيع الأخيرة، مما يدل على إنها قد أخذت تحدث أثرها في تكييف السياسة الاستعمارية الأوربية: بيد أنه مما يلاحظ أيضاً أن هذه النغمة التي بعثتها الحرب الحبشية من رقادها ليست سوى ناحية واحدة من نواحي الفورة الجنسية العامة التي اشتدت بوادرها في أوربا في الأعوام الأخيرة، والتي ظهرت بصورة جلية في كثير من المناسبات السياسية والدولية
وقد نرجع إلى الوراء قروناً إذا حاولنا أن ندرس كل التطورات التي مرت بها تلك النزعة الجنسية الأوربية؛ فتاريخ هذه النزعة هو تاريخ الصراع بين الشرق والغرب وبين الإسلام والنصرانية؛ ولكننا نكتفي بأن نعرض إلى أحدث طور من أطوارها، وهو الذي نرى اليوم آثاره ماثلة في سياسة أوربا العامة، وفي السياسة المحلية لبعض الدول الأوربية. وفي وسعنا أن نقول إن هذا الطور الحديث من هذا الصراع الجنسي يرجع إلى الحرب الروسية اليابانية في سنة ١٩٠٤، فقد كانت الفكرة الجنسية تجثم قوية وراء هذا الصراع بين دولة أوربية عظمى وبين دولة آسيوية استطاعت أن تنفض عنها غبار الماضي بسرعة وأن تتبوأ مكانتها بين الدول القوية؛ ومع إن أوربا كانت تسيء الظن بمقدرة روسيا القيصرية واستعدادها، فإنها لم تكن تتوقع أن تصاب الجيوش والأساطيل الروسية بمثل ما أصيبت به من الهزائم الساحقة، وأن تحرز اليابان ما أحرزت من نصر باهر
ولكن اليابان خرجت من تلك الحرب ظافرة قوية، وكان من نتائجها أن بسطت سيادتها على أقاليم شاسعة من الصين؛ وحدث لأول مرة في التاريخ أن انتصرت دولة آسيوية على دولة أوربية عظمى؛ ولهذا استقبلت أوربا انتصار اليابان في دهشة وروع، واستقبلته