معه في الصباح الباكر وإنهما قالا إنهما سيرجعان بعد المغرب؛ فنظرت إليَّ زوجتي نظرة ذات معنى، ولم تكفها النظرة بل راحت تقص الحكاية على أقاربنا بأسلوب وكلام لا يدعان أي شك في أني حمار من أطول الحمير آذاناً وأنا ساكت، لأن كل شيء كان يثبت أنها هي الصادقة وأنا الكاذب أو على الأقل المخطئ. ولا أحتاج أن أقول إني اضطررت أن أطعم كل هذا الجيش على حسابي. ولكن اليوم كان على الرغم من هذه الخسارة الفادحة ممتعاً وكان أحلى ما فيه أننا نمنا على الأرض بعد الغداء الباهظ التكاليف بجانب الماء الذي يتدفق كالشلال من العين وهو يرغي ويزبد ثم يتحدر في أقنية ضيقة محفورة له تتخلل الحديقة الواسعة
ولما آن أن نعود تركت هذه الرقعة لصديقنا وزوجته:
(لا شك أن النسيان أرخص. ولكنه كلفني ما أخشى أن أحسبه، فقد جئنا إليكما من غير أن نفطر فنجوتما أنتما ووقعت أنا في الفخ؛ وصدق مرة أخرى أن من حفر بئراً لأخيه وقع فيها. على أن هذا هين وإنما الذي يضيق صدري به ولا أكاد أقوى على احتماله أن زوجتي تحملني التبعة عن هربكم، وإذا كنت لا أطمع في أن تردوا إلي ما أنفقته على إشباع هذه البطون الجائعة كلها، فأني أطمع أن تردوا ثقة الزوجة بي وذلك بأن تعترفوا بأنكم هربتم)
ولم نكد نبلغ بيتنا حتى وقفت الصانعة - كما يسمون الخادمة في لبنان - وقالت لنا: إن السيدة زينب وزوجها كانا هنا ودفعت إلي ورقة فيها هذه العبارة الوجيزة:
(لا بأس! لعلكم نسيتم. والآن يجب أن تجيئوا أنتم إلينا. ولن نهرب منكم كما هربتم منا)
قرأتها وهممت أن أدسها في جيبي ولكن زوجتي سألتني ماذا فيها؟ فقلت إنهما يعترفان بخطئهما، ودفعت إليها الرقعة وذهبت أعدو. . وكيف أقنعها بأن الذي وقع خطأ غير مقصود. . كلا.