الإسلام ينتشر اليوم بنفسه في أرقى ممالك أوربة، وفي أحط بقاع أفريقية، والمبشرون لم يستطيعوا أن يدخلوا في النصرانية (مسلماً) واحداً. إنهم يجمعون الجهلة من المغاربة الذين لا يعرفون ما الإسلام، فيطمعونهم ويطمعونهم، ثم يلقون عليهم عجائب المسيح، فإذا وصلوا إلى موضع المعجزة، صاحوا كلهم بلسان واحد متعجبين: الله أكبر، لا إله إلا الله!
وينزل المبشر على القبيلة في أواسط أفريقية فيعطى ويرغْب، ويبقى سنة كاملة، فلا يستجيب له منها إلا النفر المعدودون، ثم يأتي التاجر المسلم الجاهل، فينام عندهم، ويأكل طعامهم، فلا يأتي الشهر حتى تكون القبيلة كلها قائمة وراءه تصلي على دين (محمد). . . والمبشرون ينظرون!!
أتشكّون بعد هذا أن الإسلام قوة هائلة للمسلمين؟!
هل عرفتم الصواعق المنقضة؟ هل رأيتم الصخور المنحطة من أعالي الجبال، والسيول الجارفة، والبركان الهائل، و. . . وكل ما في السكون من قوة؟ إنها لن تصد غضبة المسلم إذا كانت لله ولمحارمه ولدينه! هل فيها أشد من الموت؟ فهل يخيف الموت رجلاً خرج يطلب الموت؟!
إن سر قوة هذا الشعب، إنما هي عقيدة القضاء والقدر على الوجه الإسلامي الصحيح، ولكن القادة قلما يدركون هذا السر وقلما يعمدون إلى الاستفادة منه، لأنهم نشأوا يوم كان الشرق ينظر إلى أوربة نظر التائه في البحر إلى المنار الهادي، ويأخذون كل ما يأتيهم منها على أنه الحق الصراح، فكان فيما أخذوه وقلدوا فيه بلا فهم، مبدأ (فصل الدين عن السياسة)، ورأوه استقام في النصرانية، فحسبوه يستقيم في الإسلام، وما درسوا الإسلام على حقيقته، حتى يعلموا أنه دين وسياسة وسأخلاق، وأن سورة (براءة) سياسة، أفنفصل سورة (براءة) عن القرآن؟!
وأمر آخر، هو أن هذا الشعب تلقى عشرة آلاف دعوة إلى البذل في سبيل الله، فلبها كلها، ولكن الدعاة لم يكونوا يلبون أنفسهم في كل حين، وكان فيهم من يلقي كلمته لا يتصور منها إلا ألفاظها ووقعها في الآذان، فهي من لسانه إلى أسماع الناس، لا من قلبه إلى قلوبهم، فهو من أجل ذلك يدع الشعب وحده ويمضي إلى داره ليتحدث عن براعته في الإلقاء، وقدرته على الخطابة، وفيهم من يريد أن يسوق الناس ويقعد، وهذا الشعب لا يطيع إلا من يمشي