ومعناه كما يتنزه عن لفظه واسمه، وجعل عظات الهجرة شعاراً له في كل أمر من أمور الحياة؛ بل طوبى للإنسانية لو أن كل إنسان أخذ بروح من تلك العظات ولم يجعل الغيرة على الحق والعدل حبائل كسب لا حقيقة لها في نفسه، ولم يجعل الفروض الخلقية مسميات يتباهى بترديدها. لقد حدثت نفسي فقلت ماذا كان يكون لو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رجع إلى هذه الحياة الدنيا كي يرى روح الحق الذي جاء به، ولكي يقيم الحجة على الناس. هب أنه لم يذكر لهم اسمه وشاء أن يعرف كيف يلقون الحق في شخصه من غير أن يعرفهم بنفسه. إنهم كانوا يرون رجلاً دأبه الحق والصدق والقصد والعدل في القول والعمل، وأنهم كانوا يرون رجلاً يطلب منهم كل هذه الصفات في أمور حياتهم وهو مطلب يثقل على نفوس الناس، وهم دنيويون يريدون من الصفات ما شابهها في المظهر وخالفها في الحقيقة، ويريدون المكسب والجاه من أي وجه وبأية وسيلة، فماذا كانوا يصنعون لو أنهم لم يعرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يريد منهم روح الحق. أكبر الظن أن مأساة اضطهاد الأولين له كانت تتجدد، وأكبر الظن أننا كنا نرى هجرة ثانية مثل الهجرة الأولى، ولكنها ليست هجرة على التخصيص من مكة إلى يثرب