هؤلاء لم يتعظوا بعظة الهجرة، ولم يتنزهوا عن الروح التي اضطهد المشركون بها النبي صلى الله عليه وسلم. وأمثال هؤلاء لا ينتفعون بإحياء ذكرى الهجرة النبوية مهما اشتغلت أبدانهم بإحياء من غير أن تشتغل قلوبهم بعظتها، ومن غير أن تتنزه نفوسهم عن مشابهة المشركين في اضطهاد الحق
يقول المسيحيون: إن كل من يضطهد الحق في أمر من أمور الحياة يضطهد عيسى عليه السلام، ويعين أعداءه عليه، ويعادي روح الحق الذي جاء به؛ ونحن نقول مثل هذا القول عند ذكرى الهجرة النبوية وهي ذكرى اضطهاد المشركين للحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فكل من يضطهد الحق في أمر من أمور الحياة يضطهد روح الحق الذي جاء به النبي الكريم سواء أكان اضطهاد الحق في أمر من أمور الحياة طمعاً في مغنم أو في دعة أو صداقة أو زلفى
وخير شعائر الدين ومواسمه وأعياده وذكره وتواريخه الجليلة مثل تاريخ الهجرة هو أن تحول بين المرء وبين عادته في قلب الفروض الخلقية إلى مسميات يحسب ترددها على لسانه عقيدة وإيماناً، وما هو بإيمان إذا كان لا يحتذيها، وإذا كان يشارك المشركين ويشابههم في اضطهاد الحق طمعاً في مغنم أو دعة أو صداقة أو زلفى، فيعادي الصدق في القول والعمل والعدل فيهما أيضاً، ويعادي الوفاء ومكارم الأخلاق، وهو إذا عاداها كان معادياً للحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المعنى الأول الذي نعتبر به في إحياء ذكرى الهجرة النبوية؛ والمعنى الثاني متصل به وهو قوة وعماد نصر، وهو الاعتماد على الله كما في الآية الكريمة التي وردت في حديث الهجرة:(إن الله معنا)
كنت في بعض الأحايين أزور صديقاً لي من عادته إذا اتخذ شعاراً أن يكتبه في لوح كبير ويضعه أمامه ويذكر نفسه به، وكنت أرى على جدران منزله هذه الآية الكريمة مكتوبة بخط جميل في لوح كبير، وكان كلما دهمه أمر وكرثه خطب وأحس أنه لا يكاد يقوى على احتماله ينظر إلى هذه الآية الكريمة فيقوى بها على المصائب، وكانت له عوناً كبيراً في الحياة؛ وهذا من فضل إحياء ذكرى الهجرة النبوية، ومن فضل الائتمام بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطوبى لمن يستطيع مهما نالت منه المصائب أن يقول:(إن الله معنا)، وطوبى لمن روض نفسه على الحق والعدل والصدق في القول والعمل، وتنزه عن روح الإشراك