يطول بي القول إذا أشرت إشارات عابرة، أو وقفت هنيهة عند كل ما يستوجب الوقوف حياله من مواضيع هذا الكتاب الذي لا تبلى جدته، ولا تنصل ألوانه. ويكفي أن أشير إلى موضوعات لا مناص للأديب من قراءتها وإملاء الذهن منها، كموضوع (محور الأدب) و (الرواية التمثيلية العربية) و (المقاييس الأدبية) و (الحباحب) و (نقيق الضفادع) و (الزحافات والعلل) فكلها موضوعات تشخص الأدواء، وتداوي العلل، وتهول بالمبضع والمشرط على الضعفاء من الشعراء والكتاب.
من أوجه خصائص الأستاذ الكبير ميخائيل نعيمة أنه لم يكن في (غرباله) الخالد موضوعياً بحتاً ولا ذاتياً بحتاً، ولا متشرعا يسن السنن ويقنن القوانين، بل كان (معلما) وقف فوق المنبر وقد أخذته الغيرة على الأدب، وثارت نخوته، نخوة الخائف على نهضة العصر أن تلوث في باكورة انبعاثها، فراح يصرخ صرخات الصدق والإخلاص، ويشرح مؤلفات الأدباء والشعراء المعاصرين، على طريقة المثال لا الحصر، ولم يكن (مقلدا قط) بل كان (نعيميا) أي نسيج وحده في القوة والتمييز والابتداع والخلق والرفق والشفقة، وما كان قط مموهاً أو ممالقا، لأن المموه الممالق ليس بأديب ولا بمخلص للأدب، ولو كان من كبار الكتاب والشعراء والمؤلفين.