الحالة الاقتصادية. وقد تضرر من هذه السياسة أقيال اليمن، فخرجوا تحت لواء أحدهم، وهو (أيدوج) الوثني، وجرت بينهم وبين ذي نواس معارك وحروب لم يثبت فيها، وانتهى أمره بأن قتل، وانتهز الأحباش فرصة تحارب اليمنيين فشنوا الغارة على بلاد اليمن تحت قيادة (أبرهة) - الذي كان في الأصل عبداً لأحد تجار الروم النازلين ثغر أدوليس - وفتكوا بأيدوج، وأخضعوا اليمن لسلطة نجاشي الحبشة
غير أن المصادر العربية تجعل من أيدوج هذا قائداً حبشياً، وتسميه أرياط وأنه باسم النجاشي حارب ذا نواس، وبعد أن تغلب عليه حكم اليمن؛ إلا أن (أبرهة الأشرم) أحد قواد الحملة الحبشية ثار عليه ونجح في إزاحته عن السلطة، وتمكن من قتله وبسط نفوذه على اليمن كلها وحكمها باسم النجاشي. ونقطة الاختلاف هذه من الممكن تحقيقها، لكنها لا تقع من غرضنا في هذا البحث، وإنما الذي يهمنا تقديره أن المصادر العربية تماشي المصادر اليونانية في أن اليمن سقطت تحت حكم الأحباش بعد عهد ذي نواس (دومينوس). وبعد أن استولى الأحباش على اليمن واستقروا فيها مدة، حدث أن أرسل الإمبراطور جوستنيان سفيراً يدعى جوليان، عرض من قبله على النجاشي فكرة عقد محالفة مع الروم ضد الفرس، ويكون دور الأحباش فيها التعرض للفرس من جهة بلاد العرب المتاخمة لجنوب غربي الحدود الفارسية، وذلك لتخفيف الضغط على الروم في صراعهم مع الفرس على تخوم الحدود بين الإمبراطوريتين. وهذه السفارة حدثت في حدود سنة ٥٤٠ ميلادية، كما يعين ذلك التاريخ المصادر اليونانية، في وقت كانت الصلات قوية ووثيقة بين النجاشي وإمبراطور الروم. ومما لاشك فيه أن جوستنيان اعتمد على هذه الصلات أولاً ووحدة العقيدة الدينية التي تجمعه بنجاشي الحبشة ثانياً، ليطلب مؤازرة النجاشي له في الحرب التي اشتدت بينه وبين كسرى أنو شروان سنة ٥٤٠ ميلادية
ولم تكن فكرة إمكان مساعدة الأحباش للروم في صراعهم ضد الفرس، إلا فكرة خيالية لا يمكن أن تتحقق في عالم الواقع. إذ لم يكن الأحباش أصحاب أسطول بحري ضخم يمكنهم من غزو فارس من جهة الخليج الفارسي، ولا كان في إمكانهم إرسال حملة من اليمن قاعدتها في بلاد العرب عبر صحرائها للتعرض للتخوم العربية الفارسية، لأن طبيعة تضاريس بلاد العرب، لا تجعل وجهاً لإمكان نجاح مثل هذه الحملة. وقد أمكن النجاشي أن