للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن سنية الآن عذراء وافرة الأنوثة قد لمس الحب قلبها لأول مرة، وإنها لتستعرض حياتها الجرداء التي ولت هباء لم يورق فيها الحب من قبل، وتذكر أنها كانت في الثانية عشر من عمرها حين تقلدت الدار عقود الزهر ورفرفت عليها الأعلام وتوافد الناس وعزفت الموسيقى معلنة أن حياة إنعام قد ارتبطت بحياة رجل كان غريبا فأضحى أقرب إليها من كل قريب. ثم هي تذكر أنها كانت في الثالثة عشرة من عمرها حين اتشحت الدار بالسواد وتوافد الناس وتعالت الأصوات بالندب والبكاء معلنة أن الأب الحزين قد ألحق بالزوجة الراحلة.

ومنذ ذلك الحين أقامت سنية بصورة مستمرة في بيت إنعام وأخذت عيناها تتفتحان على أمور كثيرة غريبة. رأت سامي زوج أختها قد أشهر الحرب على زوجه وساقه إلى ذلك طعمه في الميراث الضخم الذي خلفه أبوها وأطمعه فيها ضعفها وقلة حيلتها وانفرادها، فما كان لها من الأقارب إلا عم يقيم في السودان. وكانت إنعام مضطرة إلى مداراته وإعطائه ما يطلب، وأسرف في شرب الخمر وساءت أخلاقه وزاد طلبه للمال، والمال كماء البحر كلما شرب منه الإنسان زاد عطشه وكانت الزوجة البائسة تسرف في البكاء والتفكير إسرافها في منحه المال، وكانت تشحب وتزداد نحولا بالرغم من تأكيد الطبيب بأن ضعفها يضر بالجنين الذي كان يتحرك في أحشائها.

وعلى صدر سنية كانت تنهدات إنعام تترامى في يأس مرير فتجد لها في ذلك الصدر الشفوق صدى وبلسما؛ ولطالما مرّ الليل أوائله وأواخره على الشقيقتين كبراهما تقول بشجوها وتبكي، والصغرى تحاول أن تمسح بيد العزاء أحزانا قاسية حتى إذا أجهدها ذلك فيئست أخذت تبكي فعانقتها أختها وتعانق الدمع فوق خدود لم تخلق للدموع.

وكانت إنعام تزداد نحولا، وسنية تزداد بغضا لسامي وللرجال على وجه العموم، وساعد على ذلك أنها لم تكن قد خبرت من الرجال إلا أباها، وكان على حنانه كثير الانصراف إلى عمله، وإلا هذا الرجل النذل الذي استغل ضعف امرأتين فأقبل يسرقهما كلما طاب له أن يسرق، وساء ظنها في الرجال، ولم تكن هي الملومة على أية حال.

وتتابعت أمواج الذكريات على خيال سنية وهي ساهدة تفكر وتذكرت كيف أبى القدر إلا أن يكرر في هذه الأسرة للمرة الثانية في تاريخها القصير، فعندما أنجبت إنعام ضيفا جديدا في

<<  <  ج:
ص:  >  >>