وأرسلت برقية اعتذار، وأويت إلى فراشي بالفندق أعاني الغربة والمرض والحب. وشاع في البصرة أني مريض، فتفضل حاكم البصرة ومر بالفندق فترك لي كلمة عطف، وتفضل مدير الصحة بعيادتي فأزعجه حالي
وفي الصباح أفقت، فكان أكبر همي أن أزور قبر أستاذي في التصوف، مولاي الحسن البصري، ولكن كيف؟ لقد قضيت ليلتي محموماً وقضت السماء ليلها في بكاء
وأويت مرة ثانية إلى الفراش لأن المطر جعل ذهابي لزيارة قبر الحسن البصري غرضاً عزيز المنال
وطلبت الجرائد لأتلهى بها فرأيت في جريدة (الناس) وجريدة (الثغر) أنى سألقي محاضرة بنادي البصرة، فذهبت في الموعد وتكلمت نحو خمسين دقيقة عن ماضي البصرة، ثم مضيت إلى الفندق فأخذت أمتعتي لأعاقر البرد من جديد في طريقي إلى بغداد
هل يعرف قارئ هذه المذكرات كيف يشقى من يقضي ثلاث عشرة ساعة في القطار وهو محموم؟
علم ذلك عند الأستاذ النبيل الذي يدير إحدى المدارس في بغداد فقد أخرج ما في حقائبه من أغطية وملابس وألقاها فوق جسمي لأنجو من البرد الذي قتل أخانا أبا الدرداء
صرعني البرد في الذهاب والإياب، وأضرعتني الحمى فلم أدخل بغداد إلا وشفتي يزينها عقبول، والعقبول هو التشقق الذي يصيب الشفاه من وهج الحمى، ومنه جاءت عقابيل الحب، وكذلك اجتمعت العقابيل في قلبي وشفتي، وهو أول حادث يقع في التاريخ
كان هذا العقبول مزعجاً، فقد كان كل من يراني يحسب أني أصبت بأخت بغداد؛ ولو صح ما حسبوا لكانت نكبة، فأخت بغداد إذا أصابت الشفة كانت نذيراً بالحرمان من جميع أخوات بغداد
ومن أجل هذا العقبول حبست نفسي في المنزل أسبوعين قضيتهما في إنجاز كتاب (عبقرية الشريف الرضي)
ولكن هذا الحبس كانت له أيضاً عقابيل، فقد اشتغلت بالسياسة العراقية مع أني طلقت السياسة المصرية منذ أعوام طوال
وتفصيل ذلك أن مجلس النواب كان يستعد لدرس معاهدة الحدود بين العراق وإيران، وكان