كتضحيتنا. . . الخ مذاهب القول في هذا الباب، ولكن العقاد لا يعني شيئاً من هذا، إنما يعني أن قلبه فريد في نوعه لا في مظاهر إحساسه كالحب والإخلاص والتضحية وما إليها، وأنه ممتاز حتى في (شجوة) وأن شجوه الممتاز هذا يُغلبه ويرتفع به، كالسرور الممتاز على السواء!
رجولة صارمة
يرضى المحبون ويغضبون، ويقولون في الرضا ما يقولون، ويبقى للعقاد غضبه ورضاه، متميزاً بطابعه الذي لا ينساه. وفيما مضى رأى القارئ كيف يرضى العقاد في كثير من الأمثلة مثل (سنة جديدة) و (عامنا) و (قبلة بغير تقبيل) وسواها. فمن أراد أن يعرف كيف يغضب العقاد وكيف يكون صارماً باتا في هذا الغضب، فليقرأ: (الهجر الصادق):
تجشم فيك القلب ما ليس بعذب ... أما آن لي منك النجاء المحبب؟
فهجرا فهذا القيد قد طال عهده ... أليس لقلبي غير حبك مذهب؟
هجرتك هجر المرء أسود سالخا ... يمج حماما كيفما يتقلب
هوى الموت أحلى من هواك لأنه ... هوى صادق الميعاد لا يتذبذب
وما كنت فتانا ولكن فتنتني ... بما قد صنعت عيني من الحسن أعجب
فلا تغترر مني بما قد عهدته ... لدن كنت أعفو إذ تسيء وتذنب
فما كل حين يغلب الحبُّ ربَّه ... ولا الصبر في كل المواطن يغلب
لتظمأ ليال كان دمعي شرابَها ... فحسب الليالي دمع من لم يجربوا
أنا اليوم في هجري على الكره صادق ... وقد كنت في هجري على الكره أكذب
هكذا في نفس واحد، وفي نفثة واحدة، صرامة قاسية، هي طابع العقاد حين يكره، وحين تسأم نفسه طول الإساءة، وجفاف الصلات، وحين يجنح إلى اختيار الهجر بعد اليقين والاعتزام
وليس هو هكذا في الغزل وحده، فهو بعينه في الصداقة وفي السياسة وفي الآراء والمعتقدات في شتى مناحي الحياة: ضربة قاصمة، لا رجعة بعدها ولا اتصال
اليقظة والوعي الفني والتأمل الفلسفي