شرف الرئاسة للموسم فأجاب الملتمس، ثم اضطربت الألسنة والأقلام بالفكرة التي قام عليها، والغاية التي يقصد إليها، فلم نخض مع الخائضين وإنما تحدثنا إلى القائم بالدعوة نستجلي منه الغرض فما أجاب إلا جمجمة، فقلنا ليس في الأمر إذن إلا قصائد تنشد على المسرح، وتصفيق يدوي في الحفل. ثم ريح لينة تذهب رخاء بهذه الأصوات إلى مجاهل الأبد.
ولكن موسم الشعر تولى أمره نفر من كبار الأدباء فرسموا خطته وعينوا وجهته ونشروا ذلك في بيان للناس فجعلوا وجوده أمرا لاشك فيه، وتسجيله عملا لابد منه.
أصبحت (جماعة موسم الشعر) بحكم البيان المنشور مجمعاً أدبيا له وسائله وله أغراضه. فأما وسائله فقرض الشعر الفصيح ووضع البحوث في الأدب، وإلقاء المحاظرات في الموسم، وأما أغراضه فإقامة موسم عام للشعر العربي في مدينة القاهرة. و (العمل للاحتفاظ في الشعر العربي بقوة الأسلوب ووضوحه، والجري على ما تقتضيه ضوابط اللغة من الصحة وما تتطلبه خصائص البيان من بعد الأسلوب عما يضعفه أو يفنيه في غيره أو يقطع صلة حاضرة بماضيه، وتقريب ما بين الشعر العربي وغيره مع المحافظة على السنن العربي والعمل لتنوع أغراضه وفنونه وأخيلته ومعانيه، وإبراز الحياة الحاضرة والمدنية القويمة في صورها الصحيحة، والمحافظة في الشعر على الذوق العربي مع مماشاته لحاجات العصر وروحه. وتوجيه الشعراء إلى القيام بحاجة العامة والتلاميذ من الشعر في أغانيهم وأناشيدهم، وحفّز مواهب الشعراء إلى تهيئة السبل لظهورها والانتفاع بها، وخدمة اللغة العربية ونشر آدابها وتقويم ملكاتها وتنمية ثروتها من الألفاظ والمعاني والأخيلة، وتوثيق الصلات الأدبية بين مصر والأقطار العربية الأخرى.)
والرسالة تؤيد هذه الأغراض السامية من غير تحفظ، وتدخر غبطتها بها وتصفيقها لها ليوم التنفيذ؛ فإن صوغ الأماني ووضع الأنظمة وإذاعة العزم شيء، وتجويد العمل وتنفيذ الفكرة وتحقيق الغرض شيء آخر. ولعلك تذكر أن (مجمع اللغة العربية الملكي) سُن له قانون، ورصدت له أموال، ورشحت له رجال، ودعيت إليه دعوة، ووعدت به حكومة، ومع ذلك فقد انقضى عليه عام وهو لا يزال كما كان منذ سنين عدة من عدات المنى، وحديثاً من أحاديث الظنون!!