لعل أروع المظاهر الإسلامية في مصر مولد الرسول، لأنه ائتلاف منسجم من جلال الدين وأبهة الحكومة وابتهاج الشعب، ولكنه كذلك أدل الدلائل على البطء الفاتر في شيوع المدنية وارتقاء الذوق في مهد الحضارة القديمة، وأسبق الشرق القريب إلى الحضارة الحديثة!
إن كنت ذهبت إلى هذا الاحتفال منذ بضعة أيام، فثق أنه هو الذي ذهب إليه أجداك منذ عشرات الأعوام!: خيام مضروبة على الثرى الجديب، ومطاعم منصوبة على الطريق المغبر، وملاعب كنماذج الصناعة في عهد (ما وراء الفن)، وملاه يراها المثقف فبظن نفسه في مصر غير مصره، أو في عصر غير عصره!
أظهر المظاهر في هذا العبد شيئان: الأسهم النارية وهي الشيء الوحيد المدني. لأنها الشيء الوحيد الأجنبي! والحلوى، وهي موضع البلوى ومحل النظر!: حوانيت خشبية وقتية ثابتة أو منتقلة، تكدست فوق رفوفها البالية ألوان (السمسمية والحمصية والسكرية والعلف)، ثم قامت على حواشيها تماثيل وعرائس هشّة من الحلوى الرديئة، عليها غلائل فاقعة الألوان من الورق المصبوغ، وكل ذلك في غير ذوق ولا جمال ولا فن، وكل ذلك من غير غطاء ولا وقاء ولا ستر! إنما هي مهبط للذباب والغبار، طول الليل وطول النهار! يراها الخاصة فيشمئزون من شكلها القبيح، وقذرها البادي، وبائعها الوسخ، ويحملها العامة إلى بيوتهم في المناديل الغليظة والجرائد القديمة فيحملون مثابة للنمل ومباءة للجراثيم!
إن حلوى عيد الميلاد في ديسمبر، وألعاب يوم الحرية في
يوليو، مثلان أجنبيان في سلامة الذوق وجمال المظهر وحسن
المتاع، فلتبق حلوانا وطنية، ولتبقَ ألعابنا شرقية، ولكن ارفقوا
بالذوق والجمال والصحة فأدخلوا عليها شيئاً من المدنية! أحمد