إن كنت طالب حاجة فارجع فقد ... سدت على الراجي بها الأبواب
بادت وأهلوها معا، فبيوتهم ... ببقاء مولانا الوزير خراب
وفيه يقول أيضاً: -
يا رب أشكو إليك ضراً ... أنت على كشفه قدير
أليس صرنا إلى زمان ... فيه أبو جعفر وزير؟
وما زال ابن التعاويذي قائماً بالعمل في ديوان الإقطاع حتى ذهب بصره، فأعتزله وله في عماه أشعار كثيرة يرثي بها عينيه ويندب الشباب ورونقه، فيستدر بها الإشفاق ويستدعي أبلغ العطف وأعمقه. ومنها:
لقد رمتني - رميت بالأذى - ... بنكبة قاصمة الظهر
وأوترت في مقلة، قلما ... علمتها باتت على وتر
جوهرة كنت ضنينا بها ... نفيسة القيمة والقدر
إن أنا لم أبكِ عليها دما ... فضلا عن الدمع، فما عذري؟
مالي لا أبكي على فقدها ... بكاء خنساء على صخر؟
وأنت تتمثل في هذه الأبيات حر اللوعة، ولذع الفاجعة في الاعتراض بقوله رميت بالأذى، وفي الكناية عما كرثه بقوله قاصمة الظهر، وفي مغالاته بمقلته فلم تكن لتنام على وتر، وفي إنكاره أن يكون له عذر إن يبكها دما، ومنها:
فها أنا كالمقبور في كسر منزلي ... سواء صباحي عنده ومسائي
يرق ويبكي حاسدي لي رحمة ... وبعداً لها من رقة وبكاء
وقد جاء في عبارة ابن خلكان نعته إياه بالعمق في معانيه. وإليك أمثلة من براعته في التوليد: قال في الشيخوخة:
من شبه العمر بالكأس يرسو ... قذاه، ويرسب في أسفله
فإني رأيت القذى طافيا ... على صفحة الكأس من أوله
وقال فيها أيضاً:
وعلو السن قد كسر ... بالشيب نشاطي
كيف سموه علوا ... وهو أخذ في انحطاط؟