قف هناك طويلاً وانظر هيآت الأجسام والنفوس المتعددة. . . أنظر نظرات العيون المختلفة وفكر: كم للدنيا من أشكال متعددة عند كل نوع من أنواع ساكنيها. . . أنظر نظرات العيون المختلفة واسمع أصوات الحناجر المختلفة واستحضر روح سليمان بن داود مفهم الطير والبهائم والمردة. . .
أمسح على الجلود والريش والشعر والقشر وشق البطون والجلود وانظر الآلات التي تدور بها هذه الأجسام. . .
افقه شجاعة الأسد وجبن الفأر وحقد الثعبان ووداعة الحمل وشراهة الذئب ومكر الثعلب و. . . قد خلق ربك كل هذا من طين يا أخي! كل قلب من قلوبها يختص بصفة واحدة من الصفات التي جمعها في قلب الإنسان: خلاصة الحياة والأحياء والابن البكر للطبيعة. . .
(حديقة الحيوان) تسمية أولى منها أن يقال (حديقة الحياة)
٤ - لمن هذا كله؟
كل يوم تفرش الدنيا بالضياء أمام الإنسان ليسير، وتسدل عليها أستار الظلام لينام. . . وسواء أكان على الأرض قدم تسير أم لم تكن. . . وسواء أكان على المهاد جسم ينام أم لم يكن. . . فإن الآلات الإلهية تدور في دءوب عجيب وعدم اكتراث بالإنسان
فالصباح يشرق على العاهل والباهل والنابه والخامل، والمساء يستر السهران والنائم المكدود، والربيع والخريف والصيف والشتاء تتداوله وجه الأرض؛ يحيا الإنسان ويموت وهي عاملة ناصبة لا تبالي. . .
فالدنيا تدور باطراد ويدور معها كل شيء لا فكر فيه، ولا يتخلف إلا الإنسان فإنه قد يقف في مكانه حقباً تطول، أو قد يدور دورة عكسية إلى الخلف! لأن فيه قوة الاختيار. . .
ويخيل للمتأمل أن الدنيا قد دارت (على الفاضي) كثيراً عندما لم يعمل الإنسان عملاً يقدمه إلى الأمام، وقد ضاعت قوى كثيرة من عمر الزمان سدى. . . ضيعها جهل الإنسان وبطؤه في إدراك وجهة الحياة
فمن المنتفع بالحياة؟ من الذي خلقت له الحياة؟
هو الذي لا يضيع شعاع ضوء من أضواء النهار سدى، ولا قطرة من ماء السماء سدى، ولا بذرة من بذور الأرض سدى، ويحتفل احتفالاً ليرى صنعة الله!