هذا الذي يلقي أمامه الإله العطايا فيلقطها في يقظة لينتفع وينفع. . .
هذا الذي عرف قيمة الحياة هبة الله العظمى! وأحسها إحساساً عميقاً وفكر فيها فكراً، وأقبل عليها في شغف إقبال الأطفال على (السينما). . . فرأى كل شيء، وقرأ كل شيء، ووضع قلبه وفكره على كل شيء. . .
هذا الذي يستعمل مواهبه من الله ليريه أثر صنعته العجيبة في الإنسان. . . وليؤدي دوره كاملاً بين الكائنات كما تؤدي أدوارها بقية جنود الله. . .
هذا الذي يفكر ويأكل ويغني ويندب ويضحك ملء رئتيه ويبكي ملء عينيه، ويلد ويدفن ويعمل بيده ويمشي برجله: أعني لا يعطل شيئاً ولا يتمرد. . . هذا الذي لا يغلق حواسه عن جمال دنياه. . . ولا يترك باباً من أبواب المعرفة إلا قرعه ودخل منه إلى سر من أسرار الله. . .
هذا الذي تتمثل فيه مجموعات الأحياء وينطوي فيه العالم الأكبر. . .
كل شيء يؤدي خواصه خلقته وتكوينه إلا الإنسان. فقد شغل عن خاصته التي له وحده وذهل عنها دهراً طويلاً إلا أفراداً قلائل. . .
فتشوا كم من الناس عاشوا كما يريد رب الحياة في النوع؟
مليون؟ ثلاثة؟ ألف مليون؟
يا ضيعة الإنسان إن كانت نسبة (العارفين) منه في جميع الأزمان كنسبة الذين نراهم الآن في زماننا!
كلمة! سوف لا يدخل إلى الله إلا الذين عرفوه وعرفوا سر صنعته هنا. . . أما غيرهم فيذهبون إلى جحيم الحرمان والنسيان. (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل. أولئك هم الغافلون. . .)
٥ - صور من الأوهام في الغمام
أمامي الآن في السماء دنيا كاملة من الصور والأشكال. . . نسقتها الصدفة وحبكتها الأوهام. . . كلها من وهمي وليس فيها من الحقيقة شيء. . . لو أرادت عبقرية أي مصور أن تخرج مثلها لعجزت. . . إنها دنيا من همسات الظنون وخافيات الأحلام في نفسي. . .