أنظر إليها ولا أمل كما ينظر الطفل إلى فقاقيع الصابون التي تكون وتنفجر في لحظة، وأجد راحة في نفسي لا تنتهي، ولا عمق لها
إني أجد في الأرض آثار النظام والإحكام والتحديات والقوالب القاسية التي لا تسمح للخيال بالانطلاق وتكوين ما يريد. ولكني أجد في فوضى الغمام ومزج الصور فيه انطلاقاً وحرية في تركيب الصور، وفي ذلك ما يرضي ويشبع حاستي باللانهائية ويجعلني غير خاضع لمنطق الصور الأرضية وأصول التجسيم
فعالم الأجسام والأحجام والصور الحقيقية في الأرض هو عندي روايات تمثيلية يمثلها أناس وحيوانات حقيقية، وعالم أشباح الغمام كعالم الصور المتحركة التي يمثلها (ميكي ماوس) وأضرابه، مما يعطي كل جماد وكل حيوان ونبات روح فكر ورمزية وحركة وحياة
ولو كنت مصوراً لأخذت من تهاويل الغمام في ساعة واحدة آلافاً من (رءوس الأفكار) في أوضاع الأجسام وإخراج البدائع. ولا شك أن هذا هو أصل التماثيل الخرافية الأسطورية التي لم يتقيد صانعوها بما هو كائن حقيقي ولا بالقوالب المعروفة للأجسام. بل ركبوا متناقضات وجمعوا مفارقات وأخرجوها ليرضوا بها نزعات الانطلاق في النفس الإنسانية زمان طفولتها
فيا عالم الانطلاق! أنا أنظر إليك سجيناً بأغلالي وأصفادي مربوطاً بالعقل الأرضي والمنطق الإنساني. . . لم يشبع خيالي تنوع الصور الأرضية ولم أقف عند حد. وإنما في نفسي إدراك عميق تام أن الصور التي عند ربي لا تنتهي
فأطلق اللهم خيالي من العالم (المتبلور) إلى العالم المائع الذي لا أجسام فيه ولا أحجام. . . أطلق خيالي ولا تضيعه! أسعدني به على القيود ما دمت قد حبوتني هذا النزوع الحاد الدائم إلى الرحلة في عجائب ما تصنع وما تستطيع أن تصنع؛ ولا حد لاستطاعتك!
أن عالم الجمال الأرضي لم يملأ عيني ونفسي، ولم يزدني إلا تطلعاً إلى ما عندك مما خفي على قدرتي المحدودة. ولست طماعاً. ولكني أدركت السر الذي خلقت من أجله، فلن أنام عنه بعدُ، ولن أصبر، ولن أميت أشواقي وإطرابي إليه. وأقسم لك بجلال وجهك! إني ما قصرت في السعي لإدراك أمرك ولن أقصر. . . وكيف أخلق هكذا بصيراً ثم لا أسعى لأرى؟ كيف أبصر النجم العالي، والقرار الداني، والعقل الإنساني، ثم أقف عند حد وأتقيد