والأدب ما دام فيهم من تستهويه لفتات الخاطر المشبوب، وومضات الذهن المتوقد، وعذوبة المنطق المعسول، وستنشد أهازيج الهوى التي تغنى بها سليمان الحكيم كما تتلى غزليات ابن المعتز ووجدانيات ابن زيدون؛ وإن العالم ليستمتع بها - على قدم العهد - كما يستمتع بروائع دي موسه، وبدائع لامرتين، وطوائف الأخطل الصغير، وستبقى أبدا نزهة الأرواح ومتعة النفوس ما دام للناس قلوب تخفق، وأكباد تحن، ومهج تتشوق.
وتقدير الأدب ليس بالبدعة المستحدثة في التاريخ، فقد عرف الأقدمون له جلال القدر ورفعة المنزلة فبوءوه حرمات التقديس. ومن البدائه المأثورة أن العرب في الجاهلية كتبت على القباطي بماء الذهب مختاراتها من روائع الشعر الحي وعلقتها بالكعبة تقديرا لها وتعظيما.
وإن الإغريق قد كتبوا بالذهب على جدران معبد أثينا في لمنوس القصيدة العصماء التي قالها بندار زعيم الشعر الغنائي في مدح دياجوراس
وهل كان الملوك والأمراء يبذلون المال والهبات على الشعراء الأفذاذ بمثل ذيالك السخاء العظيم لولا طمعهم في خلود الذكر في القصائد الرنانة التي كانت على ألسنة الناس كالمثل الشرود؟!
وإنها والله لصفقة خاسرة للشعر أن تشتري روائعه الخالدات بمتاع منفوق.
يروي التاريخ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال لبعض أولاد سنان ممدوح زهير بن أبي سلمى:
(أنشدني بعض مدائح زهير في أبيك) فأنشده. فقال عمر:(إنه كان ليحسن فيكم القول) فقال ابن سنان: (ونحن كنا نجزل له العطاء). فقال عمر قوله المأثور الخالد:(قد ذهب ما أعطيتموه وبقى ما أعطاكم!).
ألا طيب الله ثراك يا أمير المؤمنين وكرم مثواك. فقد زكيت الفن الرفيع بشهادتك الخالصة التي أديتها لوجه الحق مختارا فشتان بين ما يذهب كالزبد جفاء وما يمكث في الأرض ويبقى ماكرَّ الجديدان.
وبعد. فسر خلود الأدب قائم في كونه رسائل الأرواح في جلاء الحق والحب والخير والجمال، ومرآة تتجلى فيها سرائر النفوس ونزعات الأهواء، فهو لذلك من خصائص كل