وتأتي الفكرة بالوسيلة الثانية لتقر الحرم في أمانة وعلى طبيعته بعيداً عن المعطلات. . عن طريق التوجيه تارة التوجيه الحار المجرد الذي يتسلل إلى ما وراء منافذ الشعور، فتقرر أن الحرام حرام، بحرمة من الله لا من إنسان (أن مكة حرام، حرمها الله ولم يحرمها الناس) ثم عن طريق التشيع العملي أخرى، بأربعة أسباب:
السبب الأول: أن أرض مكة وهي قطب الرحى، ومركز الدائرة في الحج، أرض مشاعة الملكية المسلمين جميعا لأنها ملك الله، مباحة لكل قاصد وكل مقيم، لا ملك فيها لإنسان بعينه فلا بيع ولا أيجار. روى الدار قطنى عن علقم بن فضلة (توفى رسول الله، وما تدعي رباع مكة إلا السوائب، من أحتاج سكن، ومن استغنى أسكن) وفي رواية (ولا تباع) وروى عن ابن عمر (أن الله حرم مكة فحرم بيع رباعها وأكل ثمنها)(من أكل من أجر بيوت مكة شيئا فإنما يأكل نارا)(مكة مناخ لاتباع رباعها، ولا تؤجر بيوتها). . كما أن عمر بن الخطاب نهى أن يغلق بمكة باب دون الحاج، فأنهم ينزلون كل موضع رأوه فارغا كماأن عمر بن عبد العزيز عهد إلى أمير مكة أن لا يدع أهل مكة يأخذون إلى بيوت مكة أجرأً، فانه لا يحل لهم، فكانوا يأخذون ذلك خفية ومساترة.
السبب الثاني: تحريم الأستغلال، من الأحتكار، وما يشبه الاحتكار. . من تجارة السوق السوداء والتلاعب بالسوق التجاري. . . (احتكار الطعام في الحرم؛ الحاد فيه) يقول القطربى: والغموم يأتي على هذا كله.
السبب الثالث: تركة الجاهلية الضخمة التي أبقى عليها الإسلام وورثها، في ذلك التقليد الرائع المشهور في نظام السقايا والرفادة، والأولى معناها أسقاء الحجيج كلهم، الماء العذب. . (مجانا بدون مقابل. أما الثانية فإطعام من لم يكن له سعة في العيش أو لا زاد معه من الحجاج. . مجاناً أيضا وبدون إدانة؛ هذا النظام التيسيري بجانب مكافحة مصادر التعطيل قد عمل بها الرسول، وعمل بها الخلفاء الراشدون. ثم انقطع أو كاد. حين تفشت الخلوف ولا ندرى. . متى؟
ثم، تتقدم الفكرة بالوسيلة، لتقاوم أخطار التقلبات التاريخية، من دولة قريبة أو بعيدة. وتمنع تيارات المبادئ المناهضة، المغايرة للإسلام في قليل أو كثير، سماوية مضت، أو أرضية حدثت، فيوصي الرسول في لحظاته الأخيرة وصية تقي فريضة الحج، وشرور هذه