تتقدم الفكرة بنفسها أولا، ثم بوسائلها ثانية، على طريقتها المتميزة، في أي حقل من حقولها، في مخاطبة، العقل أو العاطفة، والضمير أو خارجه، والفرد أو جماعته، والسلوك أو العمل، بالتوجيه تارة، والتشريع أخرى، وقد تزاوج بينهما، ومن مصدرين متجاوزين: الكتاب والسنة. .
. . . فتتقدم الفكرة بنفسها، وتقيم ما يشبه القاعدة، أو قل قاعدة مساعدة، أو وسيلة كلية جامعة؛ لتقاوم بطريقتها المتميزة التعطيل أيا كان مصدره؛ فتقرر أن المعطل، كافر، كافر ينص القرآن) أن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام. .؛ بل أنها لتعتبره إلى جوار ما بهذه الآية من صراحة ومخاطبة بالتوجيه والتشريع - ملحدا (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم) وبنفس ما بسابقتها من صراحةومخاطبة قد صيغت هي الأخرى، مع زائدة ثالثة، هي في تلك المشاعية المطلقة، في تنكير كلمة الظلم فيها، تلك المشاعية التي دفعت بعض المفسدين ليقولوا المعصية في الحرام سيئة مضاعفة. مع أن الحقيقة أن هناك حد السنة، يفسر نوع الظلم في الحرم بأنه استغلال، كما سيأتي بعد سطور. وان كنا نرى أن هذا التشريع المفسر لا يمنع مطلقا من شمول الظلم في الآية لسائر مصادر التعطيل عن المسجد الحرام، خاصة وفي الآية هذه الشاعية، المتكئة في تحديدها على آية ثالثة (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها أسمه وسعى في خرابها، أولئك ما كان لهم أن يدخلوها ألا خائفين، لهم في الدنيا خزي) هكذا بلفظة المنع وتعبير فني (سعى في خرابها).
ثم تتقدم الفكرة الإسلامية بوسائلها ثانية،. . . لتقيم الحواجز والسدود فتقدم وسيلة أولى، مساعدة للوسيلة الكلية الجامعة وتقوم عليها الوسائل اللاحقة، بها تقرر الفكرة وتفرض على الناس، وجوب تطهير بيت الله (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) في غير موضع من القرآن. . ويدعي أن الأمر بالتطهير ليس مقصورا على المأموزين وحدهما ولا موقوفا عليهما دون غيرهما من الناس، وبدهي أيضا أن التطهير في مثل هذا المقام لا يقصد منه سوى إزالة جميع مصادر التطهير في الحرم كانت، أو في ما يؤدي إليه (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر، يأتين من كل فج عميق)