جهد الطاقة من النزعات الجسدية والمادية اللاصقة بالأرض. هناك في ذلك الفردوس الروضي في عالم من التحرر الوجداني؛ تتركز طبيعة الحج في الإسلام، في وحدة الاتجاه الفردي والجماعي. إلى الله صاحب القبلة والبيت، والمسجد الحرام؛ وفي وحدة المساواة الكلية المطلقة، المتجردة بين سائر أفراد المسلمين. من أي لون، ومن أي شعب، وعلى أي درجة من الوعي والاستعداد والعلم.
وعلى هاتين الوحدتين تتحدد وتتأصر علاقة الفرد بالجماعة وبالعكس، وعلاقة (٢) كليهما بالله ضمن ما تتحدد به وتتأصر في قواعد الإسلام؛ ولكن هذا التحديد وذلك التأصر؛ يبدو في طبيعة الحج عمليا، على أرحب ما يقدمه ركن إسلامي، وعلى اكمل ما يشمله من أفراد، بل أن الركن الوحيد الذي يجمع مسلمي العالم في مندوبيهم، في ساحة واحدة، ليلقنهم درسا واحد، هو المقصود من الحج، هو الوحدة، وحدة الاتجاه، ووحدة المساواة. وبهذا وحدة تقوم وحدة العالم الإسلامي، منسقة الافراد، منسجمة الشعوب والجماعات، محفوظة من الأحاث، والتقلبات، والخلوف، متجهة في وحدة، وفي مساواة إلى الله صاحب الكون، وواهب الحياة.
ولكن هل تعيش تلك القواعد الكلية وحدها؟ هل تحفظ طبيعة الحج، حية منتجة، محققة الأهداف، دون وسائل وأسباب، تحفظ عليها كيانها المقصود؟ اللهم لا، أنها وحدها لا تعيش.
ومرة أخرى؛ تتقدم الفكرة الإسلامية، بالوسائل التي تقر فريضة الحج، ثابتة لا يعتبرها تفكك أو تخلخل؛ تتقدم بما يحفظ على طبيعة الحج، حية، منتجة محققة الأهداف؛ تتقدم بما بقي هذه الفريضة وتلك القواعد وهذه الطبيعة، شرور الفساد والنقص والاضطراب؛ تتقدم الفكرة بنفسها، ثم بوسائلها ثانية، لتهدم مظاهر الفساد ومنابع الظلم التي يخشى منها عادة على فريضة الحج وقواعده وطبيعته؛ وهذه المصادر، وتلك المنابع؛ تكمن عادة، في الاستبداد من فرد ظالم، أو جماعة ضالة، أو فرد متمرد؛ وتكمن في استغلال الاقتصادي، المقصور على أفراد أو أفراد، وتكمن في أخطار التاريخ وتقلبات الزمن، من دولة قريبة أو بعيدة، أو من مبدأ مناهض يغاير طبيعة الإسلام، في كثير أو قليل؛ وتكمن أخيرا في التعطيل بواحد من هذه الثلاثة، أو بعضها، أو كلها مجتمعة، لمظهر من مظاهر الحج، أو جزء من كيانه، أو تقليد من تقاليده أو سبيل من سبيله، أو تسيرمن تسيراته.