للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعادي. . ما دمت تجعهم كلمة الإسلام. ولكن آية مساواة؟ أنها المساواة الكلية المطلقة لا مساواة الصلاة الجزئية المحدودة، أنها مساواة الوحدة العامة، مساواة مندوبي العالم لمن شاء أن يكون مندوباً لقومه وجماعته ونفسه، دون أفضلية أو اختيار، أنها مساواة التجمع حول يمين الله في التوجه والاستهداء، واستشفاف النفس، لمعاني العلاقات الفردية والجماعية والإلهية، ومن مظاهر الحج وشعائره بما فيها من مظاهر وجموع، كل نفس بما تقدر، وعلى حد ما تستطيع بذله من إفهام ونظرات. أنها أيضا المساواة التي لا تفضل دولة على دولة ولا أسرة على أسرة ولا لونا على لون، ولا فردا على فرد، بالقرب أو بالبعد (أن أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركا ًوهدى للعالمين) (والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد).

وبعد أن يفهم الناس هذه القواعد الأربع عن الحرم، وعن مليكته، وعن حكمة وجوده؛ وبعد أن تستقر في الأذهان، وتطمئن إليها الوجدانات والعواطف. . بعد ذلك كله تلوح في أفق فكر الإسلام القاعدة الخامسة التي من أجلها وجدت القواعد الأربعة السالفة، حتى لا يكون وجودها عبثاً ضائع الهدف بدون هذه القواعد الأربع الكلية. تلوح هذه القاعدة كالسقف مستندة على أربعة أركان لتقرر أن الناس جميعا مفروض عليهم واحد واحدا الحج إلى قبلته التي يتوجه إليها، حجة محسوسة ملموسة، منتقلة متحركة؛ مرة في عمرة - فمن شاء أن يستزيد فهذا موكل لحريته الذاتية - ما دام قد اعتنق شرعة الإسلام. الناس جميعا، بلا تفريق ولا تمييز ولا تفضيل ولا اختيار بين واحد وواحد، وجماعة وجماعة، في اللون أو المكان، والقرب أو البعد، في الزمان أو المكان؛ الناس جميعا مفروض عليهم الحج، واحدا ولحدا، ما دام مسلما، وما دام قادرا على أحداثها في عالم الواقع، قادر على تحمل نفقات الحج وتبعاته. (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وإلا، فـ (لا يكلف الله نفسها إلا وسعها).

ومن هذه القواعد الكلية تتبين طبيعة الحج في الإسلام، وتتركز تلك الطبيعة هناك، في الحرام الإلهي المقدس، حيث لا تكلف على الحاج، ولا شواغل سوى عبادة الله. بالأيمان والصلوات، والقربات والحج؛ وسوى الأستغراق في الاتصال بينه وبين الله؛ وسوى التسامي بالروح والأشواق، والانفعالات والوجدانات، المتطلعة إلى السماء؛ وسوى التطهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>