الرمزية المحسوسة التي يتوقف على اتصال الناس بالله، ووحدة الاتجاه الإنساني، فتقرر هذه القاعدة أن البيت الحرام هو الملك المختار لله في الأرض، والمقصود لتوحيد الاتجاه: لا شبر فيه ولا فتر لمخلوق، ولا سلطان لأحد عليه سوى سلطان الله وأحكامه، لأنه حلقة الاتصال بين الناس والله. ومن الصالح الإنساني أن يكون كذلك، مادام قدر له ذلك الشرف الإلهي الخاص (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيلأن طهرا بيتي للطائفتين والعاكفين والركع والسجود): بهذه الإضافة بين الياء والبيت؛ تقررت هذه الملكية، وهذه القاعدة.
وحين تتأكد في عقولنا هذه الأولى، فإن هناك قاعدة كلية ثانية تقرر أن البيت، أو المسجد الحرام، بل الحرم الأرضي الإلهي كله آمن بطبيعة الخلق التي أوجده الله عليها، آمن بطبيعة التشريع الإلهي للحج، آمن لا يجب أن يخشى فيه مسلم شيئاً، أو يخاف كائنا سوى الله، آمن يلجأ إليه أيضا من يضطهد في دينه من سائر البقاع، أو من يظلم في نفسه أو عرضه أو ماله أو اهله، ولو شاء؛ بل لقد أمن ذلك الحرم المقدس في أعرق عهود الجاهلية، أو شدها فتنا ووحشية، بل لقد أمنت حتى الحيوانات والطيور في ذلك الحرم الإلهي من اعتداء الناس، (وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا)، (ومن دخله كان أمناً)، (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم)، (لا تقتلوا الصيد وانتم حرم)، (وحرم عليكم صيد البر مادمتم حراما).
وإذا ما قرت في الأذهانهاتان القاعدتان، فنحن في حل، لنأخذ بالقاعدة الكلية الثالثة التي تحدد علاقة المسلمين بالمسجد الحرام، وتكشف عن سر وجوده، فتنص على أن هذا البيت، قد جعله الله ليكون بيت للجميع من المسلمين، يرجعون إليه رجوع الزائر القاصد لا المالك، لتستقر في أذهانهم وفي قلوبهم، وتسيطر على أرواحهم ونفوسهم اتجاهات الإسلام، وعلاقاته وأهدافه، ثم ليعقلوا جيدا، معنى الوحدة الإسلامية، ومعنى الاتجاه إلى البيت كقبلة، وكرمز معنوي محسوس (وإذا جعلنا البيت مثابة للناس)(أن أول بيت وضع للناس الذي ببكة).
وحين تقرر هذه الأخرى في عقائدنا، ضمن ما نحسبه من اتجاهاتنا وأهدافنا، فأن هناك قاعدة كلية رابعة بها تقرر المساواة التامة بين سائر الأفراد والجماعات، أحمرهم وأصفرهم وأبيضهم وأسودهم، ساميهم وآريهم، لا فرق، لا فرق بين فقير وغني وحتى بين عبقري