أن يحتلوا مكانة اجتماعية ونفوذاً أدبياً يفوق مكانة الصانع والمزارع بالرغم من التفاوت في المواهب العقلية وأهمية الإنتاج في التراث الفكري. وقد أعرب أحد أقطاب الفكر الأمريكي عن هذه الحقيقة حين قال:
(قاموس الكاتب الأمريكي هو الحياة العملية (المادية). فالفن والثقافة الرفيعة تعد من قبيل الهراء والسخف إذا لم تتمش مع مقومات هذه الحياة العملية).
وسبب ذلك أن أسس المجتمع الأمريكي بنيت على المزارع والنجار والحطاب الذين فرضت عليهم حياة الهجرة في أوائل التاريخ الأمريكي أن يواجهوا الحياة بأيديهم قبل معالجتها بعقولهم ومواهبهم الأدبية والفنية. ومرت الأجيال ونما المجتمع والحضارة الأمريكية أن على هذا الأساس من المثالية. فكان أن أحتل المسرح والفلسفة والفن والشعر والثقافة الرفيعة بجميع ألوانها مكانة ثانوية في الحياة الأمريكية. وإذا حدث فنجحت مسرحية أو راج كتاب أو تبوأ مثقف مكانة مرموقة فذلك لا يكون إلا لأن إنتاجه كان إنتاجاً بمعنى أنه يتمشى مع (عامية الذهن وسطحية الفكرة وسآمة الجد) التي هي من طبائع الحياة العملية التي لا سبيل المجتمع الصناعي أن يتخلص منها أو أن يتغلب عليها إذا أراد ذلك.
وقد تجد من المفكرين في أمريكا من يبرر عامية الإنتاج وسطحيته بقوله (إن الثقافات والتراث القديم عالة على الأجيال الجديدة، وإن القارات التي تتطعم بالتراث التقليد العريق قد تجد نفسها عاجزة عن قبول الفكر الجديد والتطور المفاجئ.
فإذا افتقرت الثقافة الأمريكية المعاصرة إلى جمال العنصر الكلاسيكي التقليدي فإن ذلك الافتقار هو من النعم التي حظي بها الأمريكان وحدهم، إذ أنهم يتفادون بذلك تكرار الأخطاء التي ارتكبتها الثقافات الأخرى في تطلعها إلى الأدب والفن الكلاسيكي تستمد منه الوحي والإلهام).
وهذه النظرية البرجماتزمية تبدأ من حيث اعتقدت بأن الحياة قد بدأت فقط منذ اختراع البخار والكهرباء والطاقة الذرية، فهي إذن استنتاج مبني على خطأ. ووجه الخطأ أن الحياة قديمة قدم آدم، وأن الثورة الصناعية لم تستهل حياة إنسانية جديدة وإنما أدخلت على هذه الحياة عقداً نفسانية ومشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية أضيف إلى العقد التي عاش بها الإنسان في المجتمع الكلاسيكي. فبدل أن يبدأ الفكر الأمريكي فيعالج مشاكل النفس