للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجوهرية على النحو الذي يعالجه فلاسفة الإغريق وحكماء الشرق وأنبياؤه - بدل أن يبدأ الفكر الأمريكي في معالجة الجوهر أتجه يعالج القشرة السطحية من العقد والمشاكل والمسرة والبؤس التي أضافتها (الثورة الصناعية) إلى حياة الفرد والمجتمع. والبدء في تجميل البشرة وتطرية الجلد قبل تطهير النفس والروح هو الطابع الذي يحمله الإنتاج الأدبي والفني في العالم الجديد.

فهم الحضارة الأمريكية أن توفر الغذاء والمسكن ووسائل الراحة المادية للفرد قبل أن توفر الطمأنينة الروحية. ولو أن الضائقات الاقتصادية والأزمات السياسية العنيفة والمصائب والبلايا التي حلت بالشرق يصمد لها وجلد في صراعه لها - لو أن هذه الضائقات والأزمات والبلايا قد حلت بأمريكا لفقد أهلها الجلد ولعجزوا عن مواجهة الحياة. فليس لديهم مناعة وطمأنينة روحانية تصمد للنوائب. والشواهد عديدة على تفكك عرى المجتمع الأمريكي أبان الضائقة الاقتصادية العابرة التي مرت بها أمريكا في أعوام ١٩٢٩ - ١٩٣٣ فلقد عم الفساد وانطمست كثير من أوجهه الفضيلة وشاع في الناس القنوط والتمسوا الرخاء والقناعة فلم توفر لهم فلسفتهم البرجماتزمية وراحوا ينتحرون بالمئات. والواقع أن نسبة الانتحار بين البروتستانت الأمريكان هي أعلى نسبة بين المجموعات الإنسانية الأخرى كما شرح ذلك (أميل في دير كهايم) دراسته المعروفة عن الانتحار.

والثقافة البرجماتزمية في إصرارها على النواحي المادية في السلوك والحياة الإنسانية لا تختلف كثيراً عن الفلسفة الماركسية وتفسيرها المادي للتاريخ وسعيها الآخرة بالدنيا.

وأدب وفن وثقافة وحضارة هذا عنصرها الجوهري هي ثقافة راحة وترف لا يعنيها توجيه النفس توجيهاً ثقافياً أصيلاً بقدر ما يعنيها توفير المتعة وإشباع الغريزة واللعب بالعواطف وإثارتها واصطناع اللذة. وليس لنا أن نستعرض هنا حسنات ثقافة الترف والمتعة والغريزة أو سيئاتها في التكافل الاجتماعي في الحضارات الصناعية، فمشاكل العائلة والصراع الطائفي والعنصري من نتائجها. ومن نتائجها كذلك القلق الاقتصادي وفقدان الطمأنينة السياسية وما يستتبع ذلك من توسع استعماري وحروب وويلات صبغت تاريخ الغرب بالدم والنار، وهو اليوم يدفع الإنسانية إلى المحو والدمار بالقنابل الذرية والهيدروجينية.

ولكن الذي يعنينا أن الثقافة الصناعية المادية أمريكية كانت أم ماركسية ابتدأت - خطأ أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>