في تلك البلاد، ومن الدروز وغيرهم تمتد الحركة إلى سائر العرب ويتسهل له إصلاح العلاقات بين فرنسا والباب العالي، ثم يجتاز الصحراء زاحفاً إلى الهند. لكنه رجع إلى مصر مضطرباً بسبب صبر عكا على حصاره وتفشى الطاعون في عسكره وغير ذلك.
وجلت الحملة الفرنسية من مصر، لكن بونابرت المستسعد بجده وفرنسا التي أعزت به، فرنسا إلى ما فتئت تدافع عن مصالحها في الشرق لم ييأسا من إمكان فتح هذا القطر ثانية، بل أرادا العمل على إحياء النفوذ الفرنسي فيه ريثما تتاح فرصة الاستيلاء عليه.
ففي محفوضات وزارة الخارجية البريطانية وثيقتان: إحداهما مذكرة بمشروع لاستقلال مصر منسوب إلى المعلم يعقوب الذي ورد ذكره في تاريخ الجبرتى - وليس في كلام المؤرخ إشارة ما إلى انه عرف شيئاً يتعلق بهذا المشروع؛ والوثيقة الثانية كتاب من قائد سفينة حربية إنجليزية أرسل معه المذكرة إلى حكومته عقيب نقله يعقوب من مصر. ولهاتين الوثيقتين علاقة بعمل فرنسا على إحياء نفوذها في مصر.
فقد وجد رؤساء حملة بونابرت أن المعلم يعقوب رجل حرب وإدارة على ذكاء ومكر، فألحقوه بجيش الجنرال دُزِه مديراً للتموين، فأثبت إخلاصه لهم وشجاعته. وبعد هزيمة المماليك في الصعيد رجع في أسيوط إلى عيشة الثراء بجواز قائده، وعاشره هو وأركان الحرب من ضباطه وبعض أعضاء اللجنة العلمية الفرنسية، وكانت المحادثات بندى القائد شائقة وسامية المعاني في اكثر الاحيان، فلا غرو من أن تكون أرسخت الأفكار الجديدة في أعماق ذهن المعلم. ثم عهد إليه كليبر في تنظيم المالية المصرية؛ ثم جعله رئيساً لفرقة عسكرية قبطية؛ ورقاء خلف كليبر في القيادة العامة إلى رتبة اللواء (جنرال) وعينه مساعداً للجنرال بليار في دفع الجيوش الإنجليزية والتركية عن القاهرة، فعد هو وفرقته القبطية - عند استسلام العاصمة في ١٧ من يونية عام ١٨٠١ - من الجند الموكول أمرهم إلى بليار وأبحر مع هذا القسم من جيش الجملة إلى فرنسا على تلك السفينة الحربية الإنجليزية.
قال الجنرال يعقوب القائد السفينة، في حديث لم يحضره سوى رجل من اصل فرنسي اسمه لسكرى جاء من مالطة مع الحملة التي استولت عليها في الطريق إلى مصر: إنه يمر مشروعا لاستقلال مصر يريد من القائد أن يبلغه عنه سراً إلى الحكومة البريطانية.