وخلاصته أن مصر إذا استقلت فأنها تكون في حكم الخاضعة لإنجلترا سيدة البحار، ولن تكون أبداً إلا دولة زراعية غنية بأرضها الخصبة وبتجارة أفريقية الوسطى؛ وهذه الفوائد تغنى الأمة التي لها دائماً أعظم مصلحة في تجارة مصر وبحارها، بسبب الهند؛ وهذا الاستقلال لا يكون انقلاباً أحدثه نور العقل أو قلق الخواطر بمبادئ فلسفية متنافضة، بل يكون تغيراً سببه عمل قوة قاهرة في حال أناس هادئين جهلاء، لا يعرفون على التقريب سوى المنفعة والخوف؛ فلا يكون استطاعة المصريين أن يحموا استقلالهم من الأوربيين قبل زمن مديد، حين تنتظم القوة الأهلية وتصبح مهيبة؛ أما حمايته من الترك والمماليك فان الدول الأوربية تستطيع أن تحرمهم كل اعتداء على مصر، ويمكن أن يستأجر المصريون فرقة أجنبية مساعدة تجمع إثني عشر ألف رجل أو خمسة عشر ألفاً، فتكون نواة الجيش المصري وتكفى لإيقاف الترك في الصحراء وإبادة المماليك في داخل مصر؛ ومصر منقسمة طوائف وشيعاً يسهل تزجيها إلى الاختلاف لتتوازن؛ وهو ومن معه من الأقباط وفد متصل بها جميعاً، مفوض إليه من وجهاء الإخوان الأحرار أن يفاوض الدول في الاستقلال (ولو فوضه أحد في شيء من نحو ذلك لما خفي جملة الأمر على مثل الجبرتي)؛ وغرضه أن يفاوض بطريقة تجعل فرنسا هي البادئة بطرح المشروع على إنجلترا إذا أيقنت هذه الدول بفوائده السياسية فعزمت على تأييده عند عودة السلام العام إلى أوربا فلا يتعرض الوفد لرفض مشروعه بسبب التنافر بين هاتين الدولتين الأوربيتين، أو حذر أن يكون حيلة من الجمهورية الفرنسية.
لم يكن الدين حائلا بين الفرنسيين والقبط ولم يكن بد من أن يحدث ضم يعقوب إلى الجيش الفرنسي، قراب ثلاثة أعوام، آثاراً عميقة في نفسه. فكان له أن يتوقع المكافأة الثمينة من بونابرت، ولا سيما بعد إذ اصبح القنصل الأول في حكومة القنصلية وهو الذي لم يكن ليغفل عم الجزاء السخي على مثل ارتياح المعلم إلى خدمة الفرنسيين في جميع الاحوال، واستسلامه لأرادتهم كل الاستسلام حتى جعلوه جنرالا فرنسياً. غير أن المعلم مات على السفينة البحرية الإنجليزية عقب الإفضاء بسره، فكتب لسكرى المشار إليه آنفاً مذكرة بالمشروع هي التي أرسلها قائد السفينة مع كتابة إلى الحكومة الإنجليزية. وكان يعقوب قبيل موته قد أبدى رغبته في أن يدفن بجانب (دزه) حباً فيه، فلم تلق جثته في البحر بل