ومعنى هذا أن الحقيقة التي هي الوجود الحق هي ذاته تعالى: وهي في عالم الحيوان حيوان، وفي عالم النبات نبات، وفي عالم الجماد جماد؛ فالله منبت في كل شيء من سماء وأرض وشجر وحيوان، وما إلى ذلك كله مما خلق حتى عجل بني إسرائيل هو بعض مجالي الله ومظاهره، ولهذا صح لموسى عليه السلام أن يقول للسامري:(وانظر إلى إلهك)
هكذا يقول ابن عربي ويتناسى تتمة الآية:(وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرفنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً) مما يدل دلالة واضحة لا تختل الجدل والمكابرة على ما في خطاب موسى عليه السلام للسامري من تهكم به وبما صنع!
وليست هذه النصوص متفردة في مؤلفات ابن عربي، إنها مليئة بكثير أمثالها الدالة على هذه النظرية الغامضة الصعبة التصور والعسيرة الفهم، والبعيدة عن العقل والدين فيما أرى، ويرى كثير غيري إنها لا تتفق مع الدين الذي يرى وجود موجودين - الله والعالم - متباينين في كل شيء ومنفصلين تمام الانفصال، أحدهما وجوده رهن بإدارة الآخر، ولا تتفق كذلك معه بحال ما، ما دام الدين ينزه الله عن أن يكون أشرف مخلوقاته مجلى ومظهراً له، فكيف بعجل بني إسرائيل وما دونه
ولا تتفق كذلك مع العقل الذي يرفض أن يؤمن بشيء يعجز عن إدراكه على أي نحو كان، كما أنه لا يرى ضرورة للإيمان بها في سبيل فهمه الله والعالم والعلاقة بينهما
ولعل رفض العقل والشرع لفكرة وحدة الوجود هو الذي جعل بعض المفتونين بابن عربي يبرئونه من القول بها أو الذهاب إليها؛ أمثال السراج البلقيني والسيوطي والشعراني وعبد الغني النابلسي، ولكن كيف يمكن هذا، والفتوحات والفصوص قاما على هذا المذهب ولا يستطاع تأويلها جميعاً!
قد يقبل الإغماض في عبارة يجري بها لسان صوفي أخذه الوجد، وارتفع به الحال، وشاهد ما لا نشاهد، فقال في لحظة من لحظات التجلي والمشاهدة: أنا الحق - مثلاً! - ولكن ليس من المقبول الإغماض في نظرية قام عليها مذهب، وامتلأت بها كتب، وسجلها صاحبها وهو هادئ النفس يحس بما يقول ويقدره قبل أن ينطق به!
لقد أبنت رأيي بوضوح وتفصيل في ابن عربي - معتمداً على مؤلفاته - من الناحية الدينية والأخلاقية، في كتابي الذي ذكرته بالهامش، وأتبعت ذلك برأي ابن تيمية فيه وفي