للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من قبل توضيح هذه النقطة بما لا يدع زيادة لمستزيد. والذي يعنينا هنا أن نبين ما إذا كانت هاتان الرسالتان ترجمتا إلى العربية أولا. وهذه مسألة غامضة بعض الشيء، وليس من السهل البت فيها برأي جازم. فأن المؤرخين، وخاصة ابن النديم والقفطي، حين يتحدثون عن كتب أرسطو التي ترجمت إلى العربية لا يشيرون إليهما؛ وكأن ما ترجم من كتبه السيكلوجية ليس إلا كتاب النفس المعروف، ورسالة الحس والمحسوس.

والفارابي نفسه في رسالته المسماة: (ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة) يقسم الكتب الأرسطية من حيث موضوعها إلى ثلاثة أقسام: تعليمية وطبيعية وإلهية. وبين الكتب الطبيعية لا يذكر رسالتي الأحلام والتنبؤ بواسطة النوم اللتين اعتاد المشاءون السابقون عدهما فيما بينهما. وكل ما يحظى به الباحث إنما هو إشارة غامضة إليهما في ثبت الكتب المنسوبة إلى أرسطو، والذي أخذه العرب عن بطليموس الغريب. بيد أنا على الرغم من كل هذا نميل إلى الاعتقاد بأن هاتين الرسالتين إن لم تكونا قد ترجمتا إلى العربية رأسا، فقد وصلتا إليها عن طريق غير مباشر. وابن النديم يحدثنا عن كتاب في تعبير الرؤيا لأرطا ميدورس نقله حنين بن اسحق إلى العربية؛ ولا يبعد أن يكون العرب قد استقوا من هذا الكتاب أو من أي مصدر تاريخي آخر أبحاث أرسطو المتعلقة بالأحلام وتأويلها. ذلك لأن فلاسفة الإسلام يدلون في هذا الصدد بآراء تشبه تمام الشبه الآراء الأرسطية. فحديث الفارابي عن النوم وظواهره والأحلام وأسبابها لا يدع مجالا للشك في أنه متأثر بأرسطو وآخذ عنه. وقد كتب الكندي من قبل رسالة في ماهية النوم والرؤيا وصل الأمر ببعضهم أن عدها ترجمة لبعض الرسائل الأرسطية. وربما كان أقطع شيء في هذه المسألة أن نلخص آراء أرسطو، وفيها وحدها ما يكفي لإثبات أن فلاسفة الإسلام تتلمذوا له هنا كما أخلصوا له التلمذة في مواقف أخرى.

يذهب فيلسوف اليونان إلى أن النوم هو فقد الإحساس، وأن الحلم صورة ناتجة عن المخيلة التي تعظم قوتها أثناء النوم على أثر تخلصها من أعمال اليقظة. وبيان ذلك أن الحواس تحدث فينا آثارا تبقى بعد زوال الأشياء المحسة. فإذا ما جاوزنا الشمس إلى الظل قضينا لحظة ونحن لا نرى شيئاً، لأن أثر ضوء الشمس على العينين لا يزال باقياً. وإذا ما حدقنا النظر إلى لون واحد طويلا خيل إلينا بعد مفارقته أن الأجسام كلها ملونة بهذا اللون. وقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>