نصم بعد سماع قصف الرعد، ولا نميز بين الروائح المختلفة إذا شممنا رائحة قوية. كل ذلك يؤيد أن الاحساسات تترك فينا آثارا واضحة. وهذه الآثار الخارجية تعطينا فكرة مقربة عن آثارها الداخلية التي تحتفظ بها المخيلة وتبرزها عند الظروف المناسبة. فالأحلام إذن احساسات سابقة، أو بعبارة أدق، صور ذهنية لهذه الاحساسات تشكلها الخيالة بأشكال مختلفة. على أن الاحساسات العضوية أثناء النوم قد تؤثر في الأحلام كذلك، فيحلم الإنسان بالرعد مثلا إذا صاح صائح أو ديك بالقرب منه، أو أنه يأكل عسلاً أو طعاماً لذيذاً لأن نقطة غير محسوسة من المزاج جرت على لسانه. وقد يرى النائم أنه يحترق في اللحظة التي يقترب فيها من جسمه لهب ضئيل. وليست الاحساسات وحدها هي التي تؤثر في الأحلام، فأن الميول والعواطف ذات دخل كبير فيها. فالمحب يحلم بما يتفق وحبه، والخائف يرى في نومه عوامل خوفه ويعمل على اتقائها. وكثيرا ما نحلم بأشياء رغبت فيها نفوسنا أو فكرنا فيها طويلا. هذه هي الأحلام في حقيقتها وأسبابها. وعل في هذه الأسباب ما يسمح لنا بتأويلها أحيانا. وقد يستعين الأطباء على معالجة مرضاهم وتشخيص دائهم بسؤالهم عن بعض أحلامهم. وإذا عرفت الاحساسات والظواهر النفسية المحيطة بحلم ما أمكن تعبيره. ومهارة مفسري الأحلام قائمة على أنهم يتلمسون وجوه الشبه الموجودة بين الأحلام بعضها وبعض، والعلاقات التي بينها وبين ظروف أصحابها الخاصة. بيد أن كل هذا لا يبيح لنا أن نتقبل الرأي الشائع القائل بأن الأحلام وحي من الله، فأن العامة والدهماء يحملون كثيرا بل العصبيون والثرثارون أكثر أحلاما من غيرهم؛ ولا يستطيع العقل أن يسلم بأن الله خص هؤلاء أو أغدق عليهم فيضه.
لابد أن تكون هذه الأفكار الأرسطية قد وجدت السبيل إلى العالم العربي حيث شغل موضوع الأحلام المفكرين على اختلافهم. فأهل الحديث، معتمدين على بعض الآثار، يفرقون بين الرؤيا الصادقة وأضغاث الأحلام. وهناك أحاديث كثيرة متصلة بالأحلام وأنواعها نكتفي بأن نشير إلى بعضها. روى ابن ماجة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا ثلاث: فبشرى من الله، وحديث من النفس، وتخويف الشيطان. وفي الصحيحين: (الرؤيا ثلاث: رؤيا من الله ورؤيا من الملك ورؤيا من الشيطان. والمعتزلة يرون في الأحلام آراء مختلفة: فيرجعها بعضهم إلى الله، ويذهب بعض آخر إلى أنها من