الصور ناطقة بأصولها المأخوذة عنها. ولكنها دعوى تستوقف نظر الباحث هنيهة، لأن الفرس لم يفتهم أيضاً وضع هذه الظلال وكتبهم المصورة بمختلف دور الكتب شاهدة بذلك. بل إن مما لا يصح أن يفوتنا ما جاء بكتاب كليلة ودمنة بالصفحة ٦٤ طبعة سنة ١٩٢٤ الأميرية، وهو:(. . . كالمصور الماهر الذي يصور على الحيطان صوراً كأنها خارجة وليست بخارجة، وأخرى كأنها داخلة وليست بداخلة) مع أن هذا الكتاب ترجمة ابن المقفع عن نسخة فارسية ترجمت بدورها عن أصل هندي قديم كما يفهم مما جاء بصدر هذا الكتاب. وإذن فالفضل الأول لابتكار الظلال التي هي الوسيلة كلها إلى استنطاق الطبيعة، إنما يرجع إلى الشرق وحده، لأن الوصف الذي نقلناه عن كليلة ودمنة لا يخرج عنه أحدث تعريف للرسم عند الغربيين، وهو إيجاد أنجاد وأغوار على سطح أملس بحيث إذا مررت بيدك من فوقه لا ترى لذلك أثراً.
ولقد كان انفراد الشيعيين على ما يظهر دون السنيين بهذا الفن مما ساعد على الاعتقاد بتأثير تلك الأحاديث الشريفة وفهمها على غير حقيقتها.
وأغلب الظن أن هذه الأحاديث لم تقصد إلا التماثيل مما كان شائعاً في الجاهلية بشيوع الوثنية وقضى الإسلام عليها لتنافرها مع أصول التوحيد. ومما يجعل هذا الفهم أقرب إلى الحقيقة ما رواه المسيو ال. جاييت في كتابه عن الفن الفارسي في باب التصوير من أنه كان بدمشق والقاهرة وبغداد مدارس راقية خاصة بالتصوير كان يقصدها الطلاب من كل صقع، وأنه كان هناك أساتذة بارعون يلقنونهم بها أصول هذا الفن كانوا محل إعجاب الخلفاء والسلاطين والوزراء، وكثيراً ما زينوا لهم قصورهم بصور حائطية
ويؤيد هذا ما جاء بخطط المقريزي بالصحيفة ٣١٨ من الجزء الثاني طبعة بولاق فقد قال عن جامع القرافة (جامع الأولياء في عهده) إن: (موقعه كان يعرف في القديم عند فتح مصر بخطة المغافر، بنته السيدة المعزية سنة ٣٦٦، وهي أم المعز بالله نزار ولد المعز لدين الله على نحو بناء الجامع الأزهر، وأن بابه الذي يدخل منه، ذا المصاطب الكبير الأوسط، تحت المنار العالي الذي عليه، مصفح بالحديد إلى خط المقصورة والمحراب من عدة أبواب عدتها أربعة عشر بابا مربعة مطوبة الأبواب قدام كل باب قنطرة قوس على عمودي رخام ثلاثة صفوف، وهو مزوق باللازورد والزنجفر والزنجار وأنواع الأصباغ،