والرياضة - من ناحية أخرى - ليست في منهجها - تجريبية - لأن الاستقرار - ولا سيما العلمي - لا يضمن لنا الحقيقة ثابتة، كما أنها لن تكون قياسية، لأن القياس يضع مقدمات يفترض صحتها ثم يستخرج منها نتائج على الوجه المسنون.
لم يبق بعد إلا (البرهان ليكون هو منهج الذي تنشده الرياضة، ذلك لأن البرهان - كما يعرفه أرسطو - هو (قياس الضروري) وغايته: إقامة الحقائق الواضحة، أو التي سبق البرهنة عليها - غير مهتم بالضروب والأشكال التي ينتهجها المنطق الصوري. لذا يقول أرسطو (ليس كل قياس برهاناً، وإنما كل برهان قياس) كما أن البرهان كما يقول ليار (يقاوم قواعد القياس المنطقي، وفي نفسه له مبادئه التي لا يجدها في القياس، وهذه المبادئ ضرورية ضرورة الحقائق التي يقيمها)
والبرهان الرياضي لا يستغني عن التحليل والتركيب، والتحليل قد يكون مباشرا، وقد يكون غير مباشر.
فالتحليل المباشر يستلزم معرفة العناصر الموضوع، والسير بالقضايا تدريجياً مما تم إثباته إلى ما يراد إثباته، أما التحليل غير المباشر فهو البرهان بالخلف، وهو ليس برهانا بالمعنى الصحيح، وإنما هو إحراج، وفيه خطورة، وقد نهج المنهج الرياضي في تلافيها. ونقصد بهذه الخطورة ذلك العناد الحقيقي في القضية الشرطية المنفصلة. فالزاوية س إما أن يكون حادة أو متفرجة أو قائمة، فإذا تكن الأولى ولا الثانية كانت الثالثة حتما، اعتمادا على بدهية الزوايا. ومثل هذا البرهان لا يليق بالمنهج الرياضي المتفرد بإحدى هاتين الحسنيين، وقد اجتمعتا معا الرياضة وحدها.
لهذا، احتدم الجدل حول هاتين الميزتين بين الفلسفة والرياضة. يرى فيثاغورس أن العالم أشبه بعالم الأعداد، وأن العالم عدد ونغم، وأن الأعداد نماذج تحاكيها الموجودات دون أن تكون هذه النماذج مفارقة لصورتها.
وانحدرت هذه الأنظار الفيثاغورية إلى أفلاطون الذي ظل - بالجدل الصاعد - يرقي من المحسوس المتكثر إلى المعقول الواحد وهو (المثال)، ومنه انتقلت هذه الأنظار إلى الأكاديمية الجديدة، حتى لقد غالى أحد رجالها سبيزيب - في ربط الرياضة بالفلسفة؛ أي ربط الكائنات الرياضية وهي الأعداد والمثلثات بالصور إلى حد الخلط بينهما، وفسر