واعتبر (باسكال) المنهج الهندسي المثل الأعلى للمناهج، وعلى ذلك الأمور الفلسفية العليا كما لو كانت مسائل هندسية أو معادلات جبرية.
وأعطى (اسبينوزا) للفلسفة الأولى جفاف البراهين الهندسية وصورتها، وأخذ يتحدث عن الله، والحرية كما لو كان يتحدث عن أعداد.
هؤلاء جميعاً إنما يطمحون بأنظارهم إلى العمومية والمعقولية حتى يصلا إلى الحق والخير معا، وهما هدف الرياضة البحث التي لا تتوسل بغير العقل إلى غايتها.
وإذا كان المنهج الرياضي هو مجموع الوسائل والقواعد التي تمكن من بلوغ القوانين الرياضية الموثوق بها، فإن (الروح الرياضي) نوع من العقل يمكن من بلوغ الغاية، وهما في الحق متلازمان أولهما وجهان لشيء واحد: هذا موضوعي وذاك شخصي. فإذا نظرنا إلى جميع الوسائل العقلية بالنسبة إلى الموضوع المدروس فذلك (المنهج) أما بالنسبة إلى الشخص الدارس فهي (الروح).
يقول (فافر)(هنالك صفير ينعش العالم، ويحفز الباحث إلى الحقيقة، ولئن تعذر سماع هذا الصفير إلا أنه يباعد المرء عن الخطأ، هذا الصفير هو الروح العلمي).
ومن الناس من أوتى مواهب تجعله قادراً على متابعة الحقيقة، وتجعله ماهراً وتمكنه من التزام الوضوح، واجتناب غواشي الحق، ومثل هذا الموهوب لديه روح علمي. فما مظاهر ذلك في الرياضة؟
رسم أفلاطون في خياله تخطيط المدينة الفاضلة وكان ينشد في (الحاكم) شيئين هما: الجندية والفلسفة، فأنطق سقراط بهذه الكلمات البارعة (إن لنا نشيداً علميا غايته التعقل المنطقي، ويقع في منطقة النفوذ العقلي، وهو يجاهد لينظر نظراً قويا في الحيوان والنجم ثم في الشمس ذاتها. وهكذا يبدأ المرء يبحث بالمنطق ناشداً كل أنواع اليقين بفعل الذهن البسيط مستقلا عن أي معونة حسية، ولا يكف حتى يدرك بفعل الذهن النقي طبيعة الخبر الحقيقة، وهنا يبلغ آخر مدى العالم العقلي).
في أي فرع من فروع العلم تستقر قوة الحاكم المنشود؟ بحث أفلاطون فلم يجدها في الرياضة البدنية ولا في الموسيقى، وإنما وجدها في (علم الحساب) الذي (كل لعلم وكل فن