لقيود الوظيفة وقيود المجتمع وما قيمة الفلسفة إن لم نحسن تعليل الصبر على قيود الوظيفة وقيود المجتمع؟
وما حديث الـ٤٥٠٠ ثانية في صحبة أم كلثوم؟
كانت النفس حدثتني بوجوب السفر إلى الإسكندرية في أواخر أيلول لأرى كيف ينجزر الصيف عن الخريف في تلك الشواطئ للِفيح، فرأيت على المحطة فتىً من عصبة الفن الجميل وهو يهتف:(أما ترى ثومة يا دكتور؟)
والتفت فرأيت إنسانة نحيلة تكبح سحر عينيها بمنظارين سمراوين وهي تحاور المودعين حواراً تقع فيه ألفاظ غلاظ على غير ما ينتظر من فتاة لها تلك المكانة بين البيض الخَفِرات من بنيات وادي النيل
وأقبلت فسلمت تسليم الشوق بتهيب واحتراس، لتفهم أني لا أريد نضالها في ميدان التنكيت، ولكن الشقية تغابت وتجاهلت رغبتي في البعد عن هذا الميدان، ولم تكن إلا لحظة حتى اقتنعت بأن الزمالك تجاور بولاق!
ما الذي يحمل ثومة على خلع البرقع وهي تحاور الرجال وفيهم من لا يتأدب وهو يحاور النساء؟
لم يبق بين ثومة وبين الفصيلة النسائية أية صلة، فهي اليوم رجل أعمال، وهي أبو كلثوم لا أم كلثوم!!
وقت ثومة لا يضيع في مراجعة الأدب القديم والأدب الحديث - كما تسمعون - وإنما يضيع وقت ثومة في تدبير المال لاقتناء النفائس من البيوت والبساتين
وثومة ليست غبية، فهي تعرف أن البيئات الفنية يكثر فيها الوباء، وأنه لا موجب لطاعة الفطرة التي يتجلى فيها الحنان النسوي، لئلا يكون من أثر ذلك أن تدور حولها الأقاويل والأراجيف في زمن الأقاويل والأراجيف
ومن أجل هذا لا تجيد أم كلثوم ممثلة إلا في مواقف الانفراد، فهي كتلة من الثلج حين تحاور رجلاً في مواقفها التمثيلية، وهي نارٌ تتأجج حين تخلو إلى نفسها في موقف من مواقف التذكر والاشتياق
العزلة هي الفرصة الوحيدة لانفجار العواطف في صدر أم كلثوم، لأن هذه الإنسانة تتوهم