أن المجتمع لا يُحسن غير التجريح والاغتياب، فهي تلقاه بلسانٍ حديد لا يجيد غير السخرية والاستهزاء، فإذا اعتزلت الناس أو توهمت أنها اعتزلت الناس صارت أم كلثوم الحقيقية بشفتيها الورديتين وثناياها اللؤلؤية وأنفها المسنون. ولو استبحتُ مغازلة هذه الشقية لقلت إن ابتسامها يصدر عن وادٍ سحيق هو وادي الخلود!
وما أسعد من يظفر بابتسامة صفية من أم كلثوم ولو لحظة واحدة من عمر الزمان!
هانحن أولاء في محطة القاهرة، وإني وإياها لمختلفان، فهي ذاهبة إلى المنصورة وأنا ذاهب إلى الإسكندرية، وسنفترق في طنطا كارهين أو طائعين
وأترفق فأقول: ألا تحتاج الحمامة الموصلية إلى رجل يضايقها لحظات؟
فتجيب: وأنت؟ ألا تحتاج إلى من يضايقك ساعات؟
ثم نأخذ في الحديث بعنف ولجاجة وصيال، فهل كان بيني وبين هذه الروح ثأر قديم؟ وهل سمعت أني اغتبتها فقلت إنها ريحانة هذا العصر وأغرودة هذا الجيل؟ وهل نقل الوشاة أني زعمتُ أنها أطيب من العطر وأرق من الزهر المطلول؟
لا أعرف ما ذنبي عند أم كلثوم، ولم أخرج على الأدب فأقول إنها خير ما أخرجت مصر من ثمرات، وإنها ألطف روح سكن الزمالك وتخطّر في شارع فؤاد؟
ما هفوت في حق أم كلثوم إلا مرة واحدة حين قلت إن حنجرتها مسروقة من الحمائم الموصلية، وكان الرأي أن أقول إن حمائم الموصل سرقت رخامة الصوت من الحنجرة الكلثومية
ثم تشتط أم كلثوم في المزاح الغليظ، ولكن مع من؟ مع الرجل العليم بمواقع أهواء القلوب ولو سُدل على سرائرها ألف حجاب!
هل تذكرون المصباح المغطّى بالأوراق الزرق؟
هو قلب أم كلثوم، لو تعلمون!
وبلفظة واحدة نزعت تلك الأوراق لأواجه ذلك القلب الوهاج
فما هي تلك اللفظة السحرية؟
قلت: إن حمامة الشرق تستر بمزاحها الغليظ قلباً يحترق
فالتفتت الفتاة التفاتة رشيقة وهي تستزيد، فقلت: وقد حدثتني ليلى أن الأفعى تغفو أوقاتاً