طويلة ثم تستيقظ حين تجد الفرصة لتخدير الفريسة بالسم الزعاف
وبهذا الكلام تنبهت أم كلثوم من سباتها المتكلف المصنوع، وابتسمت ابتسامة لن أنساها ما حييت، فقصصت عليها قصة ليلى حين قرأت في كتب التاريخ الطبيعي أن الحيات تثور وتهتاج حين ترى إنساناً أخضر العينين، فزعمت الشقية أنها لم تكن تعرف أني أخضر العينين، فقلت: وما السر في نفرتك مني أيتها الرقطاء؟
وترفقت أم كلثوم وتلطفت بعد التأبي والتمنع، وانطلقت تتحدث بلا تكبر ولا ازدهاء، فمن قال إنه عرفها قبلي فهو كاذب، لأني أول من نزع الأوراق الزرق عن ذلك القلب الوهاج، وأنا أول من فرض على أم كلثوم أن تعرف أن الدنيا فيها أمانة وصدق وإخلاص
من حق أم كلثوم أن تكون في دنياها رجل أعمال، فنحن في عصر سخيف لا يقيم وزناً لمواهب الأدب والفن إذاً فاتهم سناد الجاه والمال
ولكن. . . ولكن دنيا أم كلثوم صدّتها عن الانتفاع بأرباب المواهب، فلو كان لأم كلثوم مستشار أمين لوصلت إلى الإعجاز في الغناء والتمثيل، فلا عفا الله عمن من صدوا هذه الروح عن الاستئناس بأذواق أهل الآداب الفنون!
وهل أنسى بشاعة الاستئثار بتصوير عصر الرشيد؟
كان يمكن أن يكون فلم (دنانير) أعجوبة الأفلام التاريخية لو كانت أم كلثوم تعرف أن في مصر رجالاً أدق ذوقاً وإحساساً من فلان وفلان، وأن الانتفاع بآراء هؤلاء الرجال قد يعود عليها بالخير الجزيل، ولكن أم كلثوم امرأة وإن كانت رجل أعمال، والمرأة لا تفلح حين تتوهم أنها أعقل من الرجال
فلم دنانير جميل جميل، ولكن تعوزه قوة الروح، ولأم كلثوم أن تغضب كيف تشاء، ولفلان أن يقتل نفسه من الغيظ، فقد أخلف الظن به كل الإخلاف
إن هذا الفلم يلخص رأينا في أم كلثوم: فهي لا تجيد إلا عند العزلة والانفراد
فأين من يجعل أم كلثوم من أزهار المجتمع؟
أين من يحوّل هذه الفتاة إلى روح لطيف يشيع في المجتمع معاني الأنس والانشراح؟
إن كانت هذه الفتاة تحب أن تكون (ابن بلد) فقد ظفرت بما تريد، أما إن كانت تحب أن تكون أعظم من أم كلثوم فلذلك حديث غير هذا الحديث