فعلين سموه متماثلاً، وإلا فهو مستوفي. ولكل أمثلة في القرآن الكريم.
فمن أظهر أمثلة المستوفي مثلان: الأول في قوله تعالى لأسرى بدر من سورة الأنفال: (إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم) فإن خيراً الأولى اسم، وخيراً الثانية أفعل تفضيل. أما المثل الثاني ففي قوله تعالى من سورة المؤمنون بعد أن نفى أن يكون معه سبحانه إله غيره:(إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) فإن الجناس بين الفعل علا والحرف على تام ظاهر لا ينقص منه دخول لام التوكيد على الفعل قياساً على دخول فاء العطف وأداة التعريف على أحد ركني الجناسين دون الآخر في بعض الأمثلة المشهورة في علم البديع.
أما المتماثل منه فأمثلته في القرآن الكريم متعددة، نذكر الآن منها عدداً ليرى القارئ البصير فيها رأيه. وما نظنه يخالفنا فيها كلها إن خالفنا في بعضها. فمن ذلك قوله تعالى في سورة الأنفال (وما رميت إذ رميت إنما الله رمى) فإن رميت الأولى المنفية لا يمكن أن تكون بمعنى رميت الثانية المثبتة، وإلا كان ذلك من التناقض المستحيل على القرآن. فلابد أن تكون الأولى بمعنى أصبت وتكون الثانية على ظاهرها بمعنى رميت، إشارة إلى قذف النبي صلى الله عليه وسلم الحصى أو التراب في وجوه المشركين في غزوة بدر وما كان من انهزامهم عقب ذلك. فالرمي بمعنى القذف هو من النبي، والرمي بمعنى إصابة أعين المشركين حتى انهزموا هو من الله سبحانه. فاللفظ واحد والمعنى جد مختلف.
وفي الحق أن هذا المثال يفتح باباً واسعاً للجناس التام في القرآن هو باب الآيات التي ينسب فيها نفس الفعل أو الشيء إلى الخالق سبحانه وإلى المخلوق في وقت واحد، إذ من الواضح أن المعنى لا يمكن أن يكون واحداً في الحالين وإن اتحد اللفظ؛ كما في قوله تعالى حكاية لقول سيدنا عيسى يوم القيامة تبرؤا من أن يكون دعا الناس إلى عبادة نفسه وعبادة أمه من سورة المائدة (إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) فإن (نفس) هنا في تكرارها ذات معنى يختلف في الموضعين اختلافاً كلياً حسب نسبتها إلى عيسى أو نسبتها إلى الله سبحانه. وإن جاز أن يكون اختلاف الضمير المتصل مخرجاً لهذا المثل عن تمام الجناس في منطق اللفظين.
وإذا عدنا إلى الأمثلة المألوفة وجدنا مثالا آخر في أول سورة الرحمن في قوله تعالى: