فعلى هذا ينبغي أن يقدر أدباؤنا ومفكرونا أن عملاً صالحاً يقدمونه في حكم صالح يسعون إلى أن يقوموا عليه، أولى ألف مرة من تقديم قصيدة رائعة أو مقالة بارعة أو فكرة عبقرية غير عملية. . . إذ أن هذا العمل الصالح المثمر أهنأ لدي آلاف من القلوب المحكومة، وأسرع إلى إسعادها، وأدنى إلى أسلوب الله في نفع عباده، إذ أنه يعمل لهم كثيراً في تدبير الطبيعة ولا يتكلم. . . وإن قانوناً عادلاً يضعه لأمته حاكم رشيد لأنفع ألف مرة من جملة كتب تعرض أفكاراً طلية للترف العقلي. لأن القانون العادل يضمن ضرورات الحياة للناس جميعاً. أما كتب الأفكار، فتضمن بعض ترف الحياة لبعض الناس. . .
ولو ترك محمد عليه الصلاة والسلام القرآن من غير أن يترك أمة قد قام عليها بالتربية والحكم والتوجيه والتعليم لظل القرآن ككتاب من الكتب لمؤلف من المؤلفين. . . ولكنه صنع أمة تجسدت في أشخاصها معاني هذا الكتاب ومشت تسعى بهم وصاروا هم كلمات حية تشرح آياته. . .
وأظن أن سعادة الرجل الذي ينجح في تطبيق مشروع يسعد الناس تربو كثيراً على سعادته بإخراج أثر فكري أو فني حبيس في الورق
فليحمل أدباؤنا ومفكرونا نصيباً من الخدمة العملية، وليرضوا أنفسهم على إسعاد القلوب بالأعمال كما يسعدون الآذان بالأقوال، وليجتهدوا أن يحققوا معاني مقالاتهم في أشخاص وأعمال مجسمة، وليسعوا دائماً إلى أن يكون حكامنا وزعماؤنا هم رجال القمة في الفكر والخلق حتى نلائم بين ما في النفس وما في خارج النفس.