معاني (الإفصاح والإبانة والتجلية). وفن هذا شأنه وهذه طبيعته، لا يمكن أن نقسره على أن يكون صدى لمجتمع بعينه أو بيئة بعينها. وكل ما ينبغي أن نطالبه به وننشده فيه، هو أن يكون صادقاً مبيناً صادراً عن نفس تحس فتتأثر ثم تؤثر.
والكاتب حين يصدر في إنتاجه عن حس صادق مستوفز للمؤثرات والحوافز، وملكة مواتية ذلول تموج فيها تيارات الإلهام الدافق المتفجر - لا يمكن أن يكون (مسؤولاً) بعد ذلك، عما إذا كان قد تناول شؤون المجتمع أم طوى كشحاً عنها. . . لا يمكن أن يكون (مسؤولاً) في (عرف) آلهة الفن وحواريه وملائكته. . . وشياطينه أيضاً! ولا علينا بعد ذلك أن يكون (مسؤولاً) أمام المجتمع أو أمام الساسة المهرجين!
أجل. . . حسب الأديب الفنان أنه عبر. . . في صدق وإخلاص يكون لهما في القلب رنين. . . حسبه هذا، وكفى به رصيداً - أي رصيد - يضم إلى تراث الإنسانية الرفيع!
وتعبير هذا شأنه من الصدق وتحري نفحات الإلهام هو - من غير شك - لذو أثر في السمو بالإنسانية عامة - أيا كان لونه واتجاهه. ولا يعنينا - بعد ذلك - أن يكون إحساس هذا الأثر جلياً ظاهراً للعيان، صادرا عن مجاوبة مجتمع بعينه، أم خفياً ينسرب إلى التراث الإنساني في خفة العصفور الدقيق الرشيق. . . بل إني لأراه أطيب وأوقع في النفس، وأقوى على تحمل البقاء في رصيد الإنسانية، حال خفائه وإنسرابه إليه في خفة العصفور الدقيق الرشيق!
وأني لأسمع الكثيرين يتساءلون حين يصادفون نتاجاً أدبياً، يتناول وقائع خاصة أو أحداثاً شخصية فردية بحتة، بحيث لا تمس أحوال المجتمع في كثير أو قليل. . . إني لأسمعهم يتساءلون في أسى وحيرة:(. . . وما جدوى هذا الإنتاج للمجتمع؟!)
. . . وما أحراهم أن يديروا هذه الأسئلة التالية في عقولهم - وفي قلوبهم أيضاً! - ليجدوا المخلص من أساهم وحيرتهم اللذين لا مبرر لهما. . . في نظري:
أليس هذا الإنتاج (إنسانيا) على كل حال؟ أليس المجتمع - في ذاته - ليس إلا مجموعة أفراد؟. . . ومهما تمايزت المجتمعات واختلفت الشعوب وتباينت النحل والأجناس، ألا توحد بينهما جميعاً رابطة الإنسانية العليا؟!. . . ثم. . . أليس في حكم البدائة المقررة أن النفس الإنسانية - مهما تعددت في شكولها الظاهرية، وبالنسبة إلى الزمنية والمكانية -