في دار الكتب المصرية نسخة فريدة من هذا الديوان النفيس مخطوطة بخط معتاد فرغ ناسخها من نسخها في سادس ربيع الأول سنة سبع وستمائة، عدد صفحاتها ٢٦٢ من القطع الكبير. بها خروم وخروق، وآثار عرق لا تمكن القارئ من متابعة قراءته
قدم الناظم بين يدي ديوانه ثلاث خطب، أولاها مهملة الحروف، قد بدأها بقوله:(الحمد لله ملك الملك ولا أمد، وممسك السماء ولا عمد، سمكها فأطلع مهلها، وعلم آدم الأسماء كلها، ووعد لأعمال الطاعة، وواعد لأهوال الساعة، لا أمر إلا أحكمه، ولا مراد إلا حكمه، لا إله إلا هو إله واحد لا ولد له ولا والد، أحمده لآلاء أولاها، وأدعوه ملك الأملاك ومولاها) الخ وهي تملأ عشر صفحات، وقد عقبها بقوله:(نثرت فأبلغت، ونظمت فتفننت. وهذه الخطبة على بلاغتها، وإبداع صياغتها حليتها من بدر بحري ملقوط، وأخليتها من كل حرف منقوط، وأردت أن أشفعها بأخرى منقوطة الحروف، فوجدتني أخرج فيها عن الرسم المعروف، إذ استفتاح الخطب بحمد الله والثناء عليه، وذلك في المنقوطة لا سبيل إليه؛ غير أني اختصرت فأثبت منها ملحا في لمح، ورب دليل في قليل، ورب عثار في إكثار). ويلي هذا التعقيب الخطبة الثانية وأولها: بثثت بثي الخ وهي تقع في ثلاث صفحات. وبعدها الخطبة الثالثة وهي أهمها من الوجهة التاريخية والأدبية. وهي في ٢٩ صفحة. وقد أحببت أن أنقل لك منها شذرات لتعرف قصة الرجل وعقله وتفكيره وأسلوبه في النثر
قال بعد كلام طويل لا وحدة تجمعه، ولا سبب يربطه: (ولما أنقض ظهري، ما وزرت في سري وجهري، وهدم الموت في ابني، ما كنت من الأمل أبني، سألت الله له الانتجاب، فقال لا بد أن تجاب، وأنجبه طفلاً، وأتاني به كفلاً، فنمى مهذباً في مهده، ومازال ينمى بعهده، حتى أكمل تسعة، ورامت سعيه الكبار فلم تسعه. كان يروق هلالاً، ويشوق زلالاً، فقالوا يافعك نافعك، وقال الله بل هو شافعك. أعطانيه بفضله، وأخذه بعدله، فجرحتني أنياب النوائب، وقرحتني أوصاب المصائب، نثرت شاكياً ما اجترحت إلى فاطري، ونظمت باكياً ما اقترحت على خاطري، وقلت عسى الله أن يرحم الناظم الناثر، فيسلي المحزون ويقيل العاثر، وسميت هذا الكتاب: اقتراح القريح، واجتراح الجريح. وضمنته قصائد على حروف المعجم، وإن كانت من الأحزان كالملجم، ومقطعات تقفو كل قصيدة في قافيتها، على أنها مثيرة الأحزان غير شافيتها، ونظمت من فصول المنثور، مقطعات في الزهد