للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في مصح ظهر الباشق بلبنان التقى الحبيبان على غير ميعاد بعد طول البعاد لقاءً مراً على حلاوته الظاهرة، فتى ينفث رئتيه، وراهبة نذرت نفسها لله تعتني بالمرضى من عباده البائسين. فآسته بحنانها في أيامه القلائل المعدودات؛ وبين يديها الطاهرتين، وعلى مرأى من الأبوين الجانيين، فاضت روحه إلى باريها تشكو جور الآباء وجنايتهم على الأبناء

هذه هي القصة بظاهرها، وهذا هو هيكلها؛ أما روحها، أما التحليل الدقيق لنفسيات أبطالها، أما المواقف الغرامية العذرية، وأما ما يتخللها من مفاجآت حادة عنيفة ولطيفة رفيقة معاً، وأما السبك المتين والوصف الأنيق، فهذا ما ملأ به الأستاذ كرم مائتي صفحة تقرأها مندفعاً وأنت تود ألا تنتهي؛ وهذا ما أود من القراء الكرام أن يستمتعوا بمطالعته مثلي، وينعموا في لذة قراءته كما نعمت، فليس الخبر كالخبر، ولا السماع كالنظر

قوام القصة اليوم المقدرة على سرد الحوادث في حينها وعلى تحليل أبطالها تحليلاً نفسانياً متقناً وعلى الإبانة عن هذين العنصرين الرئيسيين - السرد والتحليل - بالأسلوب الشائق الممتع، واللغة الصحيحة الفصيحة من غير ركاكة ولا إسفاف

والأستاذ كرم لم تغب عنه هذه الحقائق عندما كتب (المصدور) فوضعها نصب عينيه فوفق بذلك إلى حد بعيد

وإن يكن من شيء آخذه عليه في هذا الصدد فهو صورة زوجة شفيق بطل القصة؛ فقد جاءت مشوهة لا يرضى عنها الذوق الفني.

فشفيق مال بعد زواجه القهري إلى الدعارة والشراب يدفن فيهما إخفاقه وآلامه، وهذه. ثورة من ثورات النفس الجامحة، ونزوة من نزوات اليأس القاتل التي تجتاح من كان مثل شفيق وفي حالته، ولكن ما بال زوجته تنحدر إلى مثل هوته وهي التي لم ترغم على الزواج منه كما أرغم هو؟ وما بالها تتمرغ في مثل حمأته وقد بنت به بمطلق رضاها.

أما الأسلوب في القصة فشائق جذاب، ولغته متينة عالية وألفاظه عذبة منتقاة وليس فيها من الخطأ اللغوي إلا النزر اليسير

وما كنا نرغب أن نتعرض لذكرها لولا ضننا بهذا السفر النفيس أن تعلق به أمثال هذه الهنات.

قال المؤلف: (حازت منها نظرة دميعة) وصوابها: دمع أو دمعة يقال: امرأة دمعة ودمع

<<  <  ج:
ص:  >  >>